في قرية صغيرة، محاطة بالطبيعة الخلابة وأصوات الحياة البسيطة، كان هناك رجل يُدعى فارس، يُعرف بين أهل القرية بكرمه وطيبته. كان فارس شخصية محبوبة، دائمًا ما يمد يد العون للجميع. إذا ضاقت الدنيا بشاب يبحث عن عمل، كان فارس أول من يساعده ويوفر له فرصة لكسب لقمة العيش بكرامة. وإذا وقع أحد في مشكلة، كان فارس حاضرًا لإيجاد الحل.
وسط هذه الصورة المثالية، امتلك فارس مزرعة كبيرة تُعد من أشهر المزارع في المنطقة. كانت المزرعة مليئة بالحيوانات، وكان قسم الخيول فيها هو قلبها النابض. الخيول العربية الأصيلة كانت فخر فارس وسر عشقه. كانت تُعامل بحب ورعاية فائقة، وكان الناس يتحدثون عن جمالها ورشاقتها.
لكن فارس، الذي كان يثق بالناس حدّ اليقين، قرر أن يسلم إدارة قسم الخيول لرجل يدعى عبدالله. كان عبدالله في الخمسين من عمره، يظهر عليه الهدوء والأمانة، واستطاع كسب ثقة فارس سريعًا. مع مرور الوقت، أصبح فارس يعتمد عليه اعتمادًا كاملًا في شؤون الخيول، لدرجة أنه قلّ زيارته للقسم واكتفى بالسؤال من حين لآخر.
في بداية عمله، كان عبدالله مثالًا للموظف المخلص. يعتني بالخيول، يطعمها، ويسهر على راحتها. لكن السنوات مرت، وبدأت بذور الطمع تنبت في قلبه. غياب فارس المتكرر عن المزرعة وانشغاله بأمور أخرى جعل عبدالله يشعر بأنه بلا رقيب. ومع الوقت، بدأ يستغل منصبه بطريقة بشعة وقذرة .
بدأ عبدالله يعامل الخيول بقسوة. أصبح الجلد والتجويع جزءًا من يومياتها، وبدأ يبيع بعضها سرًا لعصابة كانت تعمل معه مقابل المال. كلما لاحظ فارس غياب حصان وسأل عنه، كان عبدالله يجيبه بكل برود أن الحصان قد مات، دون أن يثير أي شكوك.
الخيول، التي كانت رمز القوة والجمال، أصبحت ضحية للطمع والجشع. كانت تعاني في صمت، عيونها مليئة بالحزن والألم، لكن صوتها لم يصل لأحد.
وسط هذا الظلام، كان هناك شاب صغير يعمل في المزرعة. شاب بسيط، مليء بالحماس والإخلاص، أحبه الجميع بسبب طيبته واجتهاده. كان يرفض أن يرى الظلم بعينيه ويسكت، لكن ضعفه أمام سلطة عبدالله منعه من التحدث.
كان الشاب يرى ما يحدث للخيول يوميًا. يرى التعذيب، يسمع صرخاتها، ويشعر بالعجز. ومع ذلك، لم يشارك أبدًا في هذه الجرائم. كان دائمًا يحاول أن يخفف عن الخيول ويعتني بها في الخفاء، لكنه كان يعلم أن عبدالله يراقبه.
عبدالله، الذي بدأ يشعر بأن الشاب قد يكشف أفعاله يومًا ما، قرر أن يتخلص منه. الكراهية التي كانت تملأ قلبه تجاه الشاب بسبب حب الناس له جعلته أكثر قسوة. وفي يومٍ مظلم، وبعد مواجهة بين الاثنين، قام عبدالله بالاعتداء على الشاب وتعذيبه بطريقة وحشية، لينتهي الأمر بقتله ودفنه في مكانٍ بعيد داخل المزرعة.
الشاب الذي كان يمثل النقاء في هذا المكان، رحل، لكن ظله بقي يطارد عبدالله.
بعد فترة طويلة جدا جدا ، قرر فارس زيارة المزرعة. كان يشعر بأن شيئًا ما ليس على ما يرام. عند وصوله، لاحظ التغير الواضح في حالة الخيول. بدت ضعيفة ومريضة، عيونها غارقة في الحزن. بدأ فارس يطرح الأسئلة، لكن هذه المرة، لم يكتفِ بالإجابات السطحية لعبدالله.
مع تحقيقٍ بسيط وسؤال العمال الآخرين، بدأ فارس يكتشف الحقيقة المروعة. عرف أن الخيول كانت تُباع، وأن عبدالله كان يعذبها، والأسوأ من ذلك، عرف بمصير الشاب الذي أحبه الجميع.
كانت الصدمة كبيرة على فارس. لم يكن يتوقع أن الثقة التي منحها لعبدالله ستنقلب إلى خيانة بهذا الحجم. جلس فارس وسط المزرعة، يشعر بالذنب وكأن كل هذا كان بسببه. الخيول التي كانت يومًا مصدر فخره أصبحت الآن شاهدة على جريمة لا تُغتفر.
قرر فارس مواجهة عبدالله، لكنه وجد رجلاً مدمرًا، تطارده لعنة أفعاله. اعترف عبدالله بكل شيء، لكن الوقت كان قد فات. الخيول كانت تعاني، والشاب البريء كان قد غادر الحياة.
كابوس حرامي الخيول لم يكن مجرد قصة عن خيانة، بل درس قاسٍ عن الثقة والطمع. قرر فارس أن يكرس حياته لإصلاح ما أفسده عبدالله، وأن يعيد الحياة للمزرعة التي كانت يومًا رمزًا للأمل. لكنه ظل يشعر بأن هذا الكابوس سيبقى يطارده طوال حياته، كذكرى مريرة لن تُنسى.
هكذا، انطفأت أضواء المزرعة، لكنها اشتعلت في قلوب كل من عرفوا القصة، لتصبح عبرة عن الكرم الذي يُساء استغلاله، والأمانة التي تُغتال على يد الطمع.
تعليقات
إرسال تعليق