القائمة الرئيسية

الصفحات

الرسول ينشيء الأمة الجديدة


بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 10 نوفمبر 2024
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد لم تكن هجرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام كهجرة نبي الله موسى عليه السلام حينما قال "ففررت منكم لما خفتكم فوهبني الله حكما وجعلني من المرسلين" ولم تكن هجرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام لمجرد الفرار من الفتنة أو الهرب من الإيذاء والتضييق، لا، لقد كانت الهجرة سعيا حثيثا لإقامة مجتمع جديد، مجتمع إسلامي بمعنى الكلمة، فكانت سعيا لإقامة مجتمع وبناء أمة وإنشاء دولة جديدة تقوم على الربانية والإنسانية والأخلاقية والعالمية، وكان هذا هو هدف محمد عليه الصلاة والسلام من هذه الهجرة، وفعلا إستطاع أن يقيم هذه الدولة وأن يؤسس هذا المجتمع وينشيء هذه الأمة الجديدة خير أمة أخرجت للناس.




ولكن إذا كان إستطاع في المدينة أن يقيم هذا المجتمع وتلك الدولة فإن الفضل يرجع في ذلك إلى مرحلة التأسيس في مكة، إلى العهد المكي، وليس الأمر كما قال أحد الكتاب القصير النظر أن محمد صلي الله عليه وسلم فشل في العهد المكي، ولم يستطع أن يحقق ما هدف إليه، كبرت كلمة تخرج من فيه، ما قال إلا كذبا، لم يفشل رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل كان هذا العهد المكي وهذه السنوات الثلاثة عشر إستطاع فيها أن يقيم الأساس، ولم يرفع البناء وإنما وضع البناء، فالأساس ممكن أن يكون مترين أو ثلاثة ولكن ممكن أن تقيم عليه عمارة من خمسين طابقا، وكما قال الشاعر خفي الأساس عن العيون تواضعا من بعد ما رفع البناء مشيدا، وكانت مرحلة مكة هي مرحلة التأسيس.





ومرحلة دار الأرقم بن أبي الأرقم التي يلقن فيها الرسول صلي الله عليه وسلم مبادئه وقيمه وتعاليمه لخلاصة أصحابه لتكوين الجيل الأول للإسلام الذي سيحمل الرسالة من بعد ويبلغ الدعوة إلى العالم، وهذا هو الجيل المؤسس الذي نشأ في دار الأرقم، في العهد المكي نزل من القرآن نحو ثمانين سورة يلقنها النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه ويأخذونها عنه ويعيشون فيها وبها ولها، عاشوا قرآنيين محمديين، وهذا العهد هو الذي قال الله تعالي فيه لرسوله صلي الله عليه وسلم "يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا" يهيئه الله تعالي ويعده لهذا العبء الثقيل الذي ينتظره فعليه أن يهيئ نفسه في مدرسة الليل ومدرسة القرآن "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا" فتهيأ لهذا القول الثقيل. 





وهذا العبء الكبير بالقرآن وبقيام الليل، وكان العهد المكي هو عهد بناء هذا الجيل وتبليغ الدعوة، ما وجد الرسول صلي الله عليه وسلم إلى ذلك سبيلا، فبلغها إلى أهله وإلى عشيرته الأقربين، وإلى قريش ومن حول قريش، وبلغها إلى القادمين إلى موسم الحج كل عام، يعرض نفسه عليهم، وبلغها في الطائف ووصل إلى الطائف في رحلة آسية حزينة معروفة، بلغها إلى كل من استطاع أن يبلغها إليه، وسمح لأصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة مرتين فرارا بدينهم وظل صلي الله عليه وسلم يعرض هذه الدعوة على قبائل العرب، ولم ييأس أبدا ولم يقنط من رحمة ربه أبدا ولم يلق السلاح أبدا، حتى هيأ الله تعالي له هذه الفئة التي ادخرها الله تعالى لنصرة دينه من أبناء يثرب من الأوس والخزرج، فحينما عرض عليهم الإسلام إنشرح صدورهم وإنفتحت قلوبهم ودخلوا في هذا الدين. 




كانوا قليلا ثم كثروا وبايعهم النبي صلي الله عليه وسلم في مكة وفي موسم الحج وفي العقبة، فبايعهم مرتين، بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية، وبيعة العقبة الثانية هي التي عاهدهم فيها وعاهدوه على أن يهاجر إليهم وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وذراريهم، وهكذا بايعهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا كله في العهد المكي، فتأسس العهد المدني في مكة، ولولا هذا العهد المكي ما كانت الهجرة إلى المدينة، ولذلك القول بأن محمد صلى الله عليه وسلم فشل في العهد المكي قول إنسان جسور وجريء على الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم وجهول لم يدرس السيرة النبوية كما ينبغي.

تعليقات