كتبت: الصحفية نسرين الزيادنة
يُعد وصفي التل أحد القادة الأردنيين الذين تحملوا المسؤولية في مرحلة حرجة مليئة بالتحديات، وتركوا بصمة واضحة في تاريخ المملكة، سواء في السياسة أو القيادة العسكرية. تميّز هذا الرجل القوي الذي جمع بين البعد العسكري والعقل السياسي في فترة كانت مليئة بالأزمات الإقليمية والتحديات الداخلية. من خلال مواقفه الحاسمة وتصريحاته الجريئة، استطاع أن يحدد معالم السياسة الأردنية في وقت كان فيه الأمن الوطني والهوية الأردنية مهددة.
نشأته ومسيرته العسكرية
وُلد في عام 1920 في مدينة إربد، وكان ينحدر من أسرة ذات جذور عسكرية في خدمة الجيش العربي. منذ صغره، أُشيد بمؤهلاته العسكرية، فتم تحفيزه للالتحاق بالأكاديمية العسكرية البريطانية "ساندهيرست"، التي مهدت له الطريق ليصبح ضابطًا في الجيش الأردني. عمل في عدة مناصب عسكرية هامة، ما جعله يُكوّن أساسًا متينًا لمسيرته السياسية التي بدأها بتولي مناصب حكومية رفيعة، وصولًا إلى قيادة الدولة في مرحلة فاصلة.
رؤية سياسية حاسمة
كان صاحب رؤية سياسية حاسمة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، خصوصًا القضية الفلسطينية. فقد أدرك أن استقرار الأردن يرتبط بشكل وثيق بحل عادل للقضية الفلسطينية. لم يقتصر على دعم القضية الفلسطينية فحسب، بل سعى إلى تجسيد الدور الأردني كفاعل رئيسي في محادثات السلام على الساحة الدولية، مما جعل من المملكة نقطة محورية في المنطقة.
التحديات في طريق السياسة
لم تكن رؤيته السياسية خالية من التحديات. فشخصيته العسكرية، التي صقلها تدريبه في الأكاديميات العسكرية، فرضت نفسها على قراراته السياسية. في ظل التوترات الداخلية التي كانت تشهدها البلاد، اتبع أسلوبًا حاسمًا في التعامل مع أي تهديد لاستقرار النظام. كانت هذه السياسة ضرورية، لكنها أدت أيضًا إلى حدوث انقسامات داخلية، حيث اعتقد بعض معارضيه أنه كان من الواجب أن ترافق القوة سياسة انفتاح حقيقية تجاه القوى السياسية المختلفة.
حرب الأيام الستة: نقطة التحول
كان عام 1967 نقطة فارقة في تاريخ الأردن، حيث شهدت المنطقة حرب الأيام الستة التي أدت إلى تغييرات جذرية في معادلات المنطقة. ومع خسارة جزء من الأراضي الأردنية، كانت تلك اللحظة بمثابة اختبار حقيقي لقيادة البلاد. لم يستسلم للنكسة، بل حولها إلى فرصة لإعادة تقييم الوضع السياسي والعسكري للبلاد. وبدلًا من الانتظار السلبي، سعى إلى تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز دفاعات الدولة بما يعكس إرادة قوية للنهضة من جديد.
أثره الطويل المدى
رغم مرور أكثر من خمسين عامًا على غيابه، يبقى هذا القائد شخصية سياسية مؤثرة في تاريخ الأردن. لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان صاحب رؤية استراتيجية نافذة في فترة حرجة، حيث ترك بصماته في العديد من القرارات السياسية التي ساهمت في تشكيل معالم المملكة.
في أسلوبه السياسي، كان يربط بين السلطات والمجتمع في أوقات التوتر، حيث حاول الحفاظ على الاستقرار السياسي في فترة كانت تشهد تقلبات إقليمية حادة. على الرغم من أن بعض منتقديه اعتبروا أن أسلوبه قد يؤدي إلى عزل النظام عن القوى السياسية الأخرى، فإن تأثيره امتد بشكل هادئ ولكنه عميق في تعزيز سلطات الدولة وحمايتها من التفكك الداخلي.
خلاصة
تظل مواقفه جزءًا أساسيًا من نسيج التاريخ الأردني لا يمكن تهميشه، حيث تمثل فصلًا بارزًا في السياسة الوطنية التي أثرت في مسار المملكة في مرحلة مفصلية، ولا يمكن تجاهل دوره في تشكيل هوية الدولة الأردنية في فترة من أكثر فتراتها حساسية. إرثه السياسي لا يزال حاضراً في كل دراسة أو تحليل يتعلق بالسياسة الأردنية، ليبقى هذا القائد ليس مجرد شخصية تاريخية، بل رمزًا وطنيًا يثير التساؤلات ويظل موضع اهتمام للباحثين والمراقبين على حد سواء.
تعليقات
إرسال تعليق