القائمة الرئيسية

الصفحات

فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه


بقلم / محمـــد الدكـــروري


الحمد لله على ما أعطى واجزل نحمده تبارك وتعالى حمد العارفين الشاكرين الطالبين لمزيد فضله والصلاة على إمام العارفين وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد قيل أنه جلس إبراهيم بن ادهم رحمه الله يوما ووضع بين يديه بعضا من قطع اللحم المشوي فجاءت قطة فخطفت قطعة من اللحم وهربت، فقام وراءها وأخذ يراقبها فوجد القطة قد وضعت قطعة اللحم في مكان مهجور أمام جحر في باطن الأرض وإنصرفت فازداد عجبه وظل يراقب الموقف بإهتمام وفجأة خرج ثعبان أعمى فقأت عيناه يخرج من الجحر في باطن الأرض ويجر قطعة اللحم إلى داخل الجحر مرة أخرى، فرفع الرجل رأسه إلى السماء وقال سبحانك يا من سخرت الأعداء يرزق بعضهم بعضا، وهذا أصل مهم من أصول الإيمان. 




وهو أن يعلم الجميع أن رزق الله تعالى الذي قدره لا يفوت العبد، بل لا بد من تحصيله، وقد قال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين قد ألقى في رُوعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها " فلو أن الناس عملوا بذلك وآمنوا به لما كان هناك سرقة ولا نهب، ولا غصب ولا إختلاس، ولا تحايل على قضية الرزق، فما قدر الله تعالى آتي لا محالة، وما لم يقدر فلن يستطيعه العبد ولو بذل في سبيل ذلك الدنيا وما فيها، ولذلك كان النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم يقول "يقول ابن آدم مالي مالي. وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت" رواه مسلم.



واعلموا يرحمكم الله أن كثرة الرزق لا تدل على محبة الله تعالي، فإن الله سبحانه وتعالي يرزق الجميع، ولكنه قد يزيد أهل الضلال والجهل في الرزق، ويوسع عليهم في الدنيا، وقد يقتر على أهل الإيمان، فلا يظن أن العطاء والزيادة دليل المحبة والاصطفاء، بل إنه بين أنه لولا أن يكفر الناس جميعا لأراهم الله تعالى عطاياه لأهل الكفر، وقد حكى لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حال النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخل عليه في غرفته، وهو على حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظا مصبوبا، وعند رأسه أهب معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال " ما يبكيك؟ فقلت يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة"؟ 




والله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب، فيقول الله تعالي " فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن" وهنا في معني الآية بأن يقول الله تعالي ما كل من وسعت عليه أكرمته، ولا كل من قدرت عليه أكون قد أهنته، بل هذا إبتلاء ليشكر العبد على السراء، ويصبر على الضراء، فمن رزق الشكر والصبر كان كل قضاء يقضيه الله خيرا له، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا يقضي الله للمؤمن من قضاء إلا كان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " وقال الله سبحانه وتعالى كما جاء في سورة مريم. 




" قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتي إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة سيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا " وقال الحكماء والحكمة في هذا يعني أن الفضلاء يقلل لهم، والجهلاء يضيق عليهم لئلا يتوهم الفضلاء أن الفضل يرزقهم، وإنما يرزقهم الله تعالى.

تعليقات