في ظلال الليل الهادئ، تجلسُ امرأةٌ على طرفِ سريرٍ بارد، تحتضن وسادةً بللتها دموعُ الشوقِ والحزن. تتساءل في صمتٍ قاتل عن أحلامها التي تلاشت في زحمة الأيام، وعن الأملِ الذي سرقهُ روتينُ زواجٍ عقيم. تجلسُ في غرفةٍ أطفأت فيها أضواءَ الفرح منذ سنوات، تاركةً بقعَ الحزنِ تُخفي بريقَ العيونِ المنكسرة.
كانت ذات يومِ فتاةً تحلمُ بفارسٍ يحملها على جناحي السعادة، يعبرُ بها بحارَ الحبِّ والحنان. لكن الفارسَ لم يكن سوى وهمٍ، وحصانُه الأبيضُ مجردُ خيالٍ لم يمسّ أرضَ الواقع. وجدت نفسها في قفصٍ ذهبيٍ، لكنه بلا بابٍ للخروج، وبدون نافذةٍ تطلُّ على مستقبلٍ مشرق.
كل صباحٍ، تستيقظُ على صوتِ صمتٍ قاتل، يذكّرها بوعودِ الحبِّ التي لم تتحقق، وبالاهتمامِ الذي تبخر في هواء الخلافاتِ واللامبالاة. تضعُ فنجانَ القهوةِ أمامه، لكن العيونَ لا تتقابل، والكلماتُ تضيعُ في بحرٍ من الجفاء. هو غارقٌ في عمله، وهي غارقةٌ في وحدتها، كلاهما يسيرُ في طريقٍ منفصلٍ، يجمعهما فقط سقفُ بيتٍ لا يعرف الدفء.
اقرا ايضاصفر مشاكل والتزام شامل
تمرُّ الأيامُ وهي تذبلُ كالوردةِ التي نسيتْ قطراتِ الندى. تكتبُ في دفترِ ذكرياتها قصصَ ألمٍ لا تُقرأ، وتُراكمُ حكاياتٍ من الجروحِ لا تُنسى. لا تجدُ في وجهِ أبنائها سوى تكرارٍ لألمها، وتخشى أن يعيشوا ذات المصير. تحاول أن تبتسمَ لهم، لكن الابتسامةَ تتلاشى قبل أن تصلَ إلى شفتيها، تبكي في صمتٍ وهم نائمون، لتسقي وسادتها مجددًا بدموعِ الحرمان.
في أحدِ الأيام، تجلسُ في غرفةِ المعيشةِ، تحتضنُ نفسها وسطَ بردِ الوحدة، وتستمعُ إلى أغنيةٍ حزينةٍ تُعيدها إلى أيامِ الحبِّ الضائع. تتساءلُ: "هل هذا هو قدري؟ هل كتبَ عليَّ أن أعيشَ حياةً بلا حبٍ، بلا أملٍ، بلا معنى؟" تنهمر دموعُها كسيلٍ لا ينقطع، تغرقُ روحها في بحرٍ من الأسى، ولا تجدُ في الأفقِ سوى ضبابٍ كثيفٍ يخفي عنها النور.
كلما أغلقت عينيها، رأت وجهها الشاب يبتسمُ في مرآةِ الماضي، وتمنت لو استطاعت أن تعودَ إلى تلك اللحظةِ، أن تختارَ طريقًا آخر، أن تهربَ من هذا المصير. لكن الوقتَ يمضي بلا رجعة، والقلوبُ المكسورةُ لا تُصلحها الأماني.
وفي تلك الليلةِ الباردة، أدركت أن الحياة ليست مجرد زواجٍ وعائلةٍ، بل هي رحلةٌ من البحثِ عن السعادةِ الحقيقية، حتى لو كان الثمنُ هو الوحدة. فتحت نافذةَ الأملِ في قلبها، وقررت أن تبدأ من جديد، أن تبحثَ عن نفسها وسطَ ضبابِ الأيام، وأن تجدَ النورَ الذي يخفيه الظلام.
تعليقات
إرسال تعليق