القائمة الرئيسية

الصفحات

بقلم /ميرنا درويش 

كان نرسيسوس Narcissus (نرجس أو نرسيس) شاباً فائق الجمال ، مفرط الوسامة ، بهي الطلة ، يدرك جيداً مستوي جماله المتفرد ، تجاوزت ثقته بنفسه حد الغطرسة فكان يشعر أن لا أحد يستحقه و كأنه جائزة من الظلم أن تحصل عليها امرأة واحدة .
حين وضعته أمه جاءها (ثيراسيا ) العراف الاعمى محذراً في نبوءته أن أبنها (نرسيس) سيعيش حياه مديدة و عامرة فقط إن لم ينظر إلى نفسه يوماً ..لتخفي الأم أي مرآة لتحمي (نرسيس ) من رؤية جماله ، نشأ (نرسيس) متعجرفا يحتقر من يحبونه و يأملون رفقته و يرى في مرافقته إياهم تفضلا عليهم بوجوده و برغم استعلائه لم يبعد عنه الناس ، و إنما صار محبوباً من الجميع ، يصدهم جميعاً فيهيمون به أكثر..
لم يكن يعرف (نرسيس) الحب حقا ، و لم يكن يكترث بمشاعر الآخرين ، ولا يبالي باحتراقهم شوقاً له ، ما زاده جاذبية.

كانت الحورية (ايكو) تراقبه و تتبع اخباره كواحدة من معجباته ، حورية رقيقة مثالية حالمة ، رفضت (بان) رمز الذكورة بكل سيادته وسلطته وثراءه وقوته بحثاً عن الحب الحالم و القصة الرومانسية التي تتمناها في عقلها الشارد..
قد كانت ايكو قد خرجت لتوها من أزمة حياتية كبري حيث فقدت صوتها و حديثها الرقيق الذي لم يكن يمل منه أحد و اصبحت غير قادرة على إجراء حوار طبيعي مع اي انسان وانما تكتفي بترديد المقاطع الاخيره من العبارات و تقلد الاصوات لا اكثر ، فلا تتمكن من صياغة افكارها الخاصة تماماً كطفل تحول كلامها كما هو اسمها الي مجرد صدى...

كانت ( ايكو ) ترى نفسها دوما اقل من ان يبادلها الحب رجل مثل ( نرسيس )، تشعر بنوع من انعدام الاستحقاق كانها ليست كفئا لتكون رفيقته وهو الوسيم المحبوب وهي تلك المنبوذه البائسه التي لا يمكنها أن تنشئ حوارا مع احدهم فما بالك بتواصل وعلاقة، ولكن الحب لا يخضع للمنطق فرغم يأسها من الوصل بقيت تتابعه كما تفعل اي فتاة تتبعا لحبيبها الذي ربما لا يلاحظ هواها وربما لا يدري احيانا بانتمائها للوجود ، مع الوقت يصيبها الحب بضبابة فبدأت تخلط بين رغباتها و الواقع الحقيقي و اخذت تؤول أفعاله على انها ملاحظه منه لها و تلميح بهواه تجاهها و رسالة ضمنية او تعبير مشفر عن كونه يبادلها نفس الشعور ..ففي يوم خرج فيه (نرسيس) للصيد مع رفقائه ، يهوي هو الصيد لهوا لا غذاءا ، فتفرق عنهم و ضل طريقه تائها ، كانت (ايكو) تتابعه متخفية من بين الشجيرات ، أخذ (نرسيس) ينادي علي اصدقائه ، و توهمت ( ايكو ) أنه يوجه لها الحديث فباتت تجاوبه بترديد المقاطع النهائية من ندائاته ظنا منها متوهمة بسكرات الهوى الذي اعماها أنهم يتبادلون الحديث في حين أنه كان يظن أن ذلك الذي يجيبه هو أحد أصدقائه ليعرف مكانه ..
- رفيقي اين انت ؟! - اين انت 
-انا ابحث عنك طويلا.. - ابحث عنك طويلا 
-تعال إلي. -تعال إلي 
فهرولت (ايكو ) نحوه فاتحة ذراعيها بلهفة لاحتضانه و اذا به بكل بروده المعتاد يردها بعنف ويدفعها بجفاء ويزيحها عن طريقه فسقطت ارضا وهو ينظر اليها في استعلاءه معلنا انه لا يعرفها ولا يحبها وانها لا ولن تليق بمثله ابدا ويرحل عنها تاركاً وراءه بقايا امرأة تلملم كرامتها الذبيحة و تحمل خجلها الانثوي المستباح وتتجرع مشاعر الخذلان والاسى وارتطامها العنيف بخشونه الواقع بعد تحليقها لتوهها في عوالم الوهم..
جلست ايكو علي ضفة البحيرة وحيدة منبوذة و داخلها غضب و رغبة عاجزة في الانتقام لانوثتها المنتهكة ، تمضي الليالي بين بكاء وصراخ ودعاء ، ترفض الطعام والشراب ومخالطه الناس حتى بدأ جسدها يذبل ، أما (نرسيس) فلم يكترث بل ربما لا يتذكر الامر فهي مجرد حادثة مكررة و رقم اخر يضاف إلى قائمة مقتنياته ممن عشقنه وهو لا يبالي ويعود لحياته ولرحلة صيد لاهية جديدة ، فيشتد الحزن علي (ايكو ) فتموت ذابلة منهكة و يتحول جسدها الي رماد تنثره الرياح في الجبال فيصبح هو أسطورة "صدى الصوت" الذي نسمعه ممزوجا بأنينها..

لتقرر (نمسيس ) رمز القدر و الجزاء الانتقام من (نرسيس) ، فتستدرجه إلي البحيرة التي ماتت عندها ايكو ، بحيرة شديدة الصفاء لدرجه ان (نرسيس) حين ينظر إلى البحيرة ،يرى انعكاس وجهه و هنا تنزل به اللعنة التي حذر العراف الاعمى أمه منها ،فيقع في قلبه عشق مرضي لصورته وملامحه دون أن يدرك أن ذلك الذي يراه هو وجهه هو نفسه ، انما يظنه وجه محبوبة جميلة ، الوحيدة التي يظن أنها تليق به ،تتوارى عنه كلما مد يديه لاقتناصها ، تعلق بها أكثر و تجسد حبه لذاته في ذاك الهوس إلي النظر لهذا الوجه المرتسم علي المياه يتأمله و يناجيه حتي زهد عن كل شيء عداه و افتتن بتلك الطلة البهية و بقي يتأملها دون لقمة او شربة حتي هلك جوار البحيرة و مات ، لتنبت مكانه زهرة النرجس كرمز لتلك القصة الأسطورية

رمزية أسطورة (نرسيس) :
استخدمت ادبيات التحليل النفسي الاولي تلك الاسطورة رمزا لاضطراب الشخصية النرجسية ( Narcissism) ، حيث ينشغل المرء بذاته و يصبح حبه موجه نحو نفسه ،اهتمام استثنائي بالذات أو الإعجاب بها، خاصة المظهر الجسدي للذات وتضخيم الفرد من أهميته وقدراته...حتي يؤذي من حوله و ربما يتسبب في هلاك نفسه بفعل هذا الحب الذاتي المريض...

(نرسيس) صيادا: يصطاد للهو لا للطعام وفي ذلك اشاره رمزيه الي طبيعة الشخصية النرجسية الاصطيادية و ميوله للاغواء والاغراء ،لا ينتقي سوى الفرائس التي تحمل تحديا ومتعه في نيلها ولكن التي تحمل كذلك خصائص الفريسة ، تحمل نوعا من التحدي في البدايات ، فيتلذذ النرجسي بعملية الصيد نفسها ، تستهويه المطاردة و وضع الطعوم ، و الطعم يكون مما تحبه الفريسة لا ما يحبه هو و التي دوما ما تكون طعوم الوعود و فخاخ الكلام المعسول مما تهواه الفريسة حيث أن لديه قدرات عجائبية علي استشفاف ما تريد سماعه ليسمعك اياه و ما تأمله من رفيقك ليظهره لك في البدايات ..ليزهدك تماماً بعدما تصير مملوكه له...

نبوءة العراف : أن (نرسيس) سيعيش حياة طويلة فقط إن لم يلحظ ذاته و هنا إشارة أن كل نرجسي يمكنه أن يحظي بحياة صحية و ناجحة بل و يحقق إنجازات استثنائية فقط ان توقف عن ملاحظته ذاته و توقف عن تقديم حاجاته ورغباته على حاجات الاخرين و هو للأسف نادرا ما يحدث فقلما يدرك النرجسي أهمية التواضع ، لذلك عادة ما يحظي النرجسي بحياة ناجحة ظاهرياً ، خاوية من المعني و القيمة ولا ترضيه ..دون ان يدرك ان أساس خواءه الروحي هو تمركزه المفرط حول ذاته..

الحورية(ايكو):وقعت في هوى (نرسيس)و لم تكن تملك سوى ترديد المقاطع الاخيره من عبارات الناس ، اشتق اسمها من صدي الصوت و في ذلك إشارة رمزية لما يحدث من تلاشي المرأة الانهزامية في النرجسي حتى تصبح مع الوقت مجرد صدى لوجوده وظل لكيانه ودون دور حقيقي وربما بلا ادنى شخصية أو ثقة بالذات ولا حرية ،و كأنها جسم معتم يعكس اشعاعات اطلالات النرجسي بلا ضوء ذاتي وذلك ما تشعر به كل انثي تخوض تجربة علاقة مؤذية مع نرجسي ،فتشعر مع الوقت انه يمسخها ويمتص صوتها ويتغذى على كيانها حتى تستيقظ يوماً فتجد نفسها بلا هوية و كل شئ صار يدور حوله وفيه وانها باتت مجرد كائن هامشي ظلالي لوجوده..

(بان): جاء رمزاً للذكورة ، الثراء و القوة و برغم ذلك رفضته (ايكو) و في ذلك إشارة رمزية لتلك الطبيعة الأنثوية التي ترفض كل رجل دون هذا النرجسي مهما كان مدى حب غيره لها و مهما كانت رجولته و ظروفه لتبقي في انتظار لتلك القصة الامعة الوهمية المترسخة في نفسها الحالمة ، رغم ايذاؤه هي ببساطه ترفض كل رجل اخر...

كارثة الفراق : لم يكن (نرسيس ) يكترث كأن شيئاً لم يكن في الاثناء نفسها التي كانت ايكو يقتلها الاشتياق والوحشة و الشعور بالعار والمهانة ، القصة المكررة بعد الهجر في العلاقات المؤذية مع النرجسي ، تمر حياته بالسلاسة ذاتها لا شيء ينقصها مواصلا أداؤه اليومي الاستعراضي المعتاد ، اما الفتاة التي فقدت شخصها و كرامتها و ملامح روحها ، فحياتها تبدو كأنها تيبست في وضع الانتظار وكأن الزمن لا يود أن يمنحها نسيانا رحيماً...

(نيمسيس): رمز (الكارما) الجزاء من جنس العمل ، تحقيق العدالة الإلهية ، إشارة رمزية إلي أن ما يفعله النرجسي سيدور في فلك الكون ويعود اليه بانتقامه وان الشر والايذاء يحمل في طياته عقوبة المؤذي و إن كانت مؤجلة متأخرة و لكنها لن تسقط بالتقادم ، موت (نرسيس) كان بسبب هوسه بذاته وليس بشيء خارجي وجزاؤه نبع من نفسه وبيده ومصيره كان نتاجا لتمركزه حول ذاته و هو ما كان سببا في تدميره ، فالخواء ينهش المؤذي من الداخل و تتسع داخله فجوة ظلامية بعد كل ايذاء حتى تلتهمه ذات يوم لنعلم يقينا انه وان بدا لك سعيدا متماسكا فهو يفتقد ابسط ابجديات السلام النفسي والراحة الداخلية 

انعكاس الصورة : الصورة علي سطح الماء و كونها الشئ الوحيد الذي وقع في حبه النرجسي فيه إشارة رمزية إلي أنه غير قادر على الحب الصحي وكل حبه في الحقيقة موجه نحوه نحو ذاته من زاوية ما حتى وإن لم يدرك هو او شريكه هذا الامر ظاهريا ، ما يحبه فيك ما هو إلا انعكاس صورته عليك يحب حبك له ،تمجيدك و غزلك الموجه نحوه ، صورته اللامعة في عينيك و انبهارك به ولكنه لا يحبك انت...

قد يبدو لك الامر كاننا نتحدث عن مسخ مشوه او وحش .. ولكنه انسان قد يكون مميزا بشدة في مساحات اخرى كالعمل والابداع الفني او الوعظ او الدعوه او العلم او البحث والدراسه بل إن المتأمل في تاريخ البشرية يجد أنها تدين بالكثير إلي الشخصيات النرجسية، النرجسي ليس ذلك المتعثر حياتيا او الذي تضطرب اموره ولا يتمكن من اداره مساحته بل انه ناجح مرموق وربما موفق اكثر من ضحاياه انفسهم.. 
كيف تصنع من ابنك نرجسيا ؟! 
 حين تقرأ هذا السؤال سرعان ما يأتي في عقلك تلك الصورة الذهنية المعتادة للأب و الأم المزايدين في تلبية طلبات أبناءهم و أن النرجسية تنمو نتاجا للتدليل المفرط حتى يعامل الطفل كملك مبجل واجب تلبية كل ما يرغب فيه فيدمن بريق الاعجاب الدائم والمبالغ فيه من ابويه و يبدأ في تعميم تلك المعاملة و يبحث عنها في الخارج متوقعا من الجميع المعاملة بنفس الطريقة ..
و لكن دعني افاجئك عزيزي القارئ أن تلك النشأة و طريقة التربية تنتج نسبة ضئيلة جدا من النرجسيين ..

كن قاسيا، متبلدا ،جافا و فاترا غير متفاعل مع احتياجات طفلك ، انشئه في بيئة كثيرة المقارنة و النقد ، رسخ فيه مبادئ التميز و التفوق الدائم مع عدم السماح بالخطأ أو التعثر ، ضعه في دور عبقري الأسرة المطالب برفعة شأنها و واجهه دائماً بالإساءة و الغضب المفرط علي تقصيره في ذلك الدور المفوض اليه ، غذيه بالتنافسية ولا تسمح له بالخطأ، احقنه بأعتقاد أنه ينبغي ان يكون كاملاً ، اجعله يشعر دائماً أن الحب الموجه نحوه مشروط بأدائه و أنه لن يكون ابدا مستحقا لهذا الحب سيكون على الدوام اقل مما ينبغي ،اجعله يشاهد هذا النموذج المثالي المتفوق و يقارن بينه و بين ذاته الحقيقية ، اجعله يبحث عن الذات المثالية النموذجية و كلما اقترب منها ابتعد عنه اكثر و كلما ظن انه اقترب علي تحقيق متطلباتك اعلى بسقف توقعاتك و ارتفع اكثر ، اشترط عليه الكبر و النضج علي نحو اسرع لتحبه و تتقبله .. أفقده الشعور بالحب اللامشروط ..

مبارك ، خلقت لتوك نرجسيا من الدرجة الأولى...

النرجسي جاني ...ام مجني عليه ؟! 

النرجسي يبحث دائما علي لفت الأنظار ، يتغذى على اعجاب الاخرين.. ويتمحور وجوده كله حول انبهار الناس واعترافهم بتفوقه وتفرده وهو يحتاج هذا الشعور الدائم بكونه محط اعجاب الاخرين و ذلك ليخفف شعوره الداخلي العميق بالعار، الخزي والعار وافكار النقص والدونية وعدم الكفايه هي مشاعر متاصلة في تكوين النرجسي قد ترسخت في نفسه منذ طفولته..
وتلك التنشئه الطفوليه قد جعلته يحتقر ذاته الاصليه ويحاول التبرا منها ويشعر ان تلك ذات الاصلية غير مستحقه للحب وانها مصدر العار لانها لن تحظى ابدا برضا الوالدين ولن تكون مصدر فخر لهما ولن يكون ابدا على قدرة جيدة بتحقيق متطلباتهما التي لا يرضيها شيء وانه لكي يحظى بالحب لابد ان يحصل على ذات مثاليه التي هي ببساطه نموذج مثالي متخيل كامل فائق يرضي الوالدين ويطمئن شعوره بالخوف والعار وافتقاده للحب اللامشروط، فيلهث الطفل الناشئ وراء تلك الذات التي تبتعد اكثر كلما اقترب من الوصول إليها ،ليحدث نوع من اليأس لدى الطفل من الوصول لتلك الذات على نحو واقعي فيقرر ببساطة ان يتطابق معها، أن يدعي كونها هي ذاته الحقيقيه كأنه يحاول تكلف تلبسها حتى يكونها ولكن هو يدري في اعماق ذاته انه ليس كذلك ولكنه يحاول ان يخدع نفسه ويثبت لنفسه و لوالديه ثم للمجتمع ان تلك الذات المثاليه النموذجيه هي ذاته الاصلية وانه مولود بها فطريا او حصل عليها في نموه لذا يمضي باحثا عن اعتراف الكون بها وعن خصائصها ومميزاتها منسوبة اليه كانه حين ينتزع اعتراف الكون هو فقط ينتزع الحب الذي طالما بحث عنه وكأنه الان فقط يشعر انه مستحق وتختفي مشاعر الخوف والعار .. اخيرا 
بإختصار شديد النرجسي لا يملك أدني قدر من الثقة بالذات فالنرجسي يتعمد إدعاء الثقة المطلقة بالنفس حتي يحمي ذاته الهشه الضعيفة القابعة في أعماقه ويستخدمها كدرع حصين للحفاظ علي ماتبقي من الشخصية المدمرة بداخلة منذ الصغر
وهذا منطقي لأن الشخص الواثق من نفسه بحق يمتلك تقدير مرتفع للذات وإستحقاق ويحب ذاته بكل ماتملك من مزايا وعيوب … وهذا مالا يحدث مع النرجسي فهو يكره ويحقر ذاته ودائماً مايشعر داخلياً بالحقارة والوضاعة والكره
وما يثبت انه لا يملك الحد الأدنى من الثقة بالنفس .. هو الحساسية المفرطة لأبسط كلمات النقد …والمبالغة الشديدة في ردة الفعل حينما يحاول أحدهم التقليل من شأنه...

النرجسي و العلاقات ..

تتعثر حياة النرجسي بشدة لفقدانه الشعور بالأمان النفسي، و يعاني من مجاعة نفسية في غياب الدعم المتمثل في اعجابات الاخرين لذلك يترك اي علاقة تقل فيها الاعجابات به و يرحل باحثاً عن دعم جديد لذات مثالية زائقة يدرك جيداً في نقطة عميقة داخله أنها ليست الحقيقة و أنه لن يرقى ابدا إليها ، و ذلك هو السبب الحقيقي وراء عودة النرجسي بعد الانفصال مراراً و تكراراً..حيث أنه يعود ليحصل على وجبة خفيفة من الدعم ثم يرحل مرة أخرى..
يحتاج النرجسي الى دوام اعادة طمئنه الذاتيه عبر الافعال المسيئه في العلاقات والتي تنطلق من خوفه ممثله مثلا في:
*اثاره غيرة شريكته كدلالة على استمرار حبها 
*التعددية كضمان لكونه لم يزال مرغوبا ورائجا 
*السلوك الإغوائي والإستغلالي كدلالة على الفاعلية والقوه 
*الاغراء كنوع من حشد ضمانات الجاذبيه 
افعال الاساءة لدى المؤذي في الأغلب تنطلق من شعور عميق بالخوف و العار ، تكون تلك الأفعال دفاعاً نفسياً لا واعيا غرضه اعاده الطمأنة الذاتية و تدعيم الهشاشة الداخلية العميقة ، لأن ذاته الحقيقية تحتوي على شرخ عميق ، لذلك دائماً ما ينبذها و يبقي في حالة هروب دائم من مواجهتها و يسعي حياته كلها ليثبت للعالم انه هو تلك الذات البديلة المستحقة للحب وليس ذاته الحقيقية الضعيفة التي يتجرد منها و يبحث عن ذلك الشخص المثالي الذي يستحق حبه و تقديره ، شخصاً فائقا استثنائياً متفرد ليليق به ولا يخذله كما خذله الجميع...

اساس العلاقات لدي النرجسي هو المدد النرجسي (narcissistic supply) ، فهو هدفه الوحيد لبحثه عن التواصل مع أي شخص اخر ، البحث عن الدعم ، فيقترب ممن تزيد لمعته في وجوده و يدور حول اولئك الذين يصدقون كذبته ويبتلعون زيفه و يؤمنون به...
إن هذا المتغطرس يحمل في داخله ذاتا شديدة الهشاشة قابلة للتحطم من ابسط المواقف اذ لم تجد الدعم و الاعجاب ، و لكن هذا ليس بتبرير لمواصلة العلاقة معه ولا يمنحه عذراً و يرفع عنه المسؤوليه ..
و العلاقات بالنسبة إليه ما هي إلا ادوات لتوليد هذا المدد النرجسي للذات المهتزه داخله وحين تبرد حراره المدد النرجسي في العلاقة يعتبر العلاقة قد استنفذت اغراضها ولم تعد تمنحه المدد الذي هو اساس وجوده لذا يقوم و بدم بارد وعبر كثير من التبرير بالتخلص من تلك العلاقة ليحصل على نسخة جديدة..
و لذلك يظهر بعد الفراق كأنه لم يفقد شيئا لتوه ولا يندم الا على غياب من كانوا يقدمون له الدعم النفسي و سرعان ما يبحث عن مصادر اخرى للدعم و المدد بل و كثيرا ما يقوم النرجسي بالتنقل بين مصادر الدعم دون فراق حقيقي لأحد الأطراف فلا يترك احداهن الا بعدما يجد غيرها او يخطط للحصول على سواها حتي لا يجد نفسه خاويا من منابع الدعم فيتألم .

امسك ...نرجسي!!

الاحساس بالعظمة و التفوق :
 يشعر النرجسي والمؤذي انه شخص فريد من نوعه، يرى انه يحمل امكانيات استثنائية وان تلك الطاقات ربما هي معطلة عن الخروج والتالق كما ينبغي لها ان تكون بسبب الظروف والاحقاد ويعتقد انه لا يتمكن من فهمه او استيعابه او تقديره الا اناسا متفرده مثله ايضا ونخبه معينه من البشر مما يمنحه تبريرا مريحا امام النقد والنصح فحين تنصحوه او تتنقدوه فأنت فقط مجرد عاجز اخر عن فهمه وسطحي او غبي لا ترقى الى منزلة استيعاب تفرده ،يرى انه يمكن ان يصير اي شيء ويحقق ما يشاء وشروط الحياه لا تنطبق عليه والقوانين لا يندرج تحتها وهو الاستثناء الوحيد الحياه بالنسبه اليه صراع و منافسة ليصبح الاول في الوجود من نظرته، سباق لا ينتهي ينبغي ان يتوج فيه فائزا ...
وهذا التوجه النفسي و تلك الدفاعيه المنيعة امام الاقتراح او النقد او نصائح التقويم بلا شك ما يجعل اعترافه بوجود مشكلة فيه امرا غاية في الصعوبة مما يعيق تماما الحصول على علاج نفسي او حدوث معجزه التغيير داخله..

الشعور بالاستحقاق الاستثنائي :
يرى انه يستحق معاملة خاصة ومتفرده مختلفه عن الشائع بحفاوة بالغة وبتقدير مشهود واحترام كبير لذا هو متطلب على الدوام شديد الالحاح على احتياجاته ورغباته صعب الارضاء حتى يبدو اشباعه واقناعه بك مستحيل، لا يكاد يتحمل التجاهل او الشعور بالاعتياديه ، لا يتقبل سوء المعاملة او الشعور بالرفض او تجارب الفشل او النقد او المعاملة الاعتيادية ومساواته بالاخرين التي تؤدي الى ما نسميه الجرح النرجسي (narcissistic injury) لديه كذلك هوس بنيل الالقاب وحيازه المكاسب واعتلاء المناصب ويبالغ احيانا في ادعاء عمق علاقاته بالاشخاص ذوي الشهره او المكانة او السلطة وينتج عنه طول التفاخر بالانجازات وكثرة الحديث المتغطرس عن الذات حتى تجد الحديث مهما كان يدور ليعود للحديث عن نفسه وخبراته كمعيار لكل شيء..

حساس بشدة للنقد:
يعاني المؤذي من تحسس مفرط لاي تعليق سلبي يخص او يتعلق بصفاته او افعاله، يغضب بشده امام النقد ويصارعه بعنف ويعتبر اي نقد نوعا من الاهانه والانتقاص ومبارزه شخصيه تستوجب القصاص وان لم يستطع الاقتصاص في لحظتها او الدفاع فور تعرضه يبقى حاملاً لثأره و ينتظر الوقت المناسب لامضاءه ولو بعد حين، احيانا لا يظهر هذه الحساسيه او يكتم غضبه ، يحاول اظهار شيء متناقض لها من التبسم والمرونه الظاهريه او يفتعل عدم الاكتراث رغم احتراقه داخلياً ، الاهم ان هذا الغضب النرجسي قد لا يكون دوما تجاه نقد متعمد ظاهر السلبيه بل احيانا تجده ينفعل بشده تجاه عبارات وسلوكيات عفوية لم يقصد بها صاحبها اي إساءة وربما لم يكن منطلقها النقد او التعليق السلبي بل ربما لم تكن تتعلق بالنرجسي اصلا، ولكن النرجسي مبدع في تأويل المواقف والكلمات ، فكثير من الكلام الاعتيادي التلقائي الذي ربما يستخدمه هو نفسه إن وجهه احد اليه فهو اهانه متعمده وجرح مقصود ، لذا تجد المحيطين به ممتلئين حذرا في حديثهم معه وبالاخص شريك حياته وابنائه وكذلك مشغولين بتغيراته إن تغيرت طريقته نحوهم لعله يكون قد اغضبه موقف قديم لم يلحظوه او كلمة عابرة صدرت بغير قصد فقامت عواصفه الداخليه تجاهها مما يجعل المحيطين به في حالة تأهب دائم وترقب لغضبه فيصبحون اكثر عرضة للقلق وربما للامراض الجسديه المتعلقه بالضغط العصبي. ..

الأنانية المفرطة :
يقدم النرجسي ذاته على كل شيء فالاولويه الاولى لرغباته وتلبية احتياجاته لذا يجب على الكون ان يسير على هواه ووفق مشيئته وبطريقته وحده وتلك الانانيه ربما تكون: 
-واضحه ظاهره (overt Narcissism )يمكن للكل ملاحظتها 
-او متخفيه ومتواريه (covert Narcissism )وهي الاصعب 
فليس كل نرجسي هو ظاهر الغرور سهل التشخيص ، فقد تجد صاحب النوع المستور من النرجسيه يظهر حينا انه ذلك المتفاني الذي يحترق من اجل الاخرين دون تقدير منهم ولا مكافاه، يغذي فيهم الشعور بالذنب والتقصير تجاهه بشكل خفي يجدوا أنفسهم يدورون في فلك ارضاؤه، او تجده يراوغ الاخرين ليصبح مرادهم هو ما يريد ودوافعهم بأسرها تتمركز حول اغراضه ودوافعه اي انه ببساطة يجعلك تفعل ما يريد ظنا منك انك تنفذ ارادتك انت ، يلقنك النيه ويقحم فيك الارادة فقط لتوافق هواه دون ان يطلب الامر بشكل صريح ، المؤذي هو من يجعلك تمنحه ما يريد ثم يجبرك على ان تشكره انت على قبوله تلك المنحه حيث يوهمك ببراعه انه صاحب العطاء هنا لا المتلقي ...

نقد الآخرين و السخرية اللاذعة و التهكمية : 
 يعطي لنفسه الحق في تقييم الاخرين والانتقاد منهم فتجده كثيرا الحكم على الناس وربما المؤسسات لا يكاد يعجبه شيء يتصيد الاخطاء ويتتبع السلبيات، إن لم يجد مبررا للنقد ولم يمسك بسلبية واضحة يقيمها يبدأ في شيطنة الاخر وتسفيهه يعتمد حينها علي التأويل او التشكيك في النوايا والنفوس ، النرجسي رغم كونه قد يصف نفسه بالمرونه والانصاف يصنف الوجود والاشخاص تصنيفا ثنائيا باردا وجامدا الى الابيض والاسود التقسيم القطبي بلا وسط، الابيض منه هو موافق هواه واغراضه وانتماءاته او من منحه دعما والاسود هو كل ما لم يوافقه في الجوهر او من لم يعامله بما يظن انه يستحقه من حسن المعاملة بل ان مجرد وجود امر سلبي بسيط لدى احدهم ربما لا يوافق معايير النرجسي قد يصدر الحكم عليه بتجريده من كل قيمه ومعنى ايجابي ويضيفه الى معسكر السواد الوجودي في نظره ، هكذا انت إن ارتبطت بنرجسي تجد نفسك تتارجح في نظرته بين الملائكيه كانك خير من استنشق هواء الكون هذا الصباح وبين الشيطنة المفرطه كأنك اسوء من وطئ الارض فقط بناء على موافقتك لمعاييره من عدمها ، يستخدم النرجسي تلك الطريقه في العلاقات كنوع من الانتقاد الامن لشريكه ما يمنحه مخرجا إن تفاقم غضب شريكه بأن يبرر الامر فإن نقده كان مزاح غير مقصود وان اللوم على شريكته فهي مفرطة الحساسية ثقيله الدم لا تتقن المزاح وتأخذ الامور بجديه اكبر من اللازم، مزاح النرجسي غالبا طريقة متخفيه كثيرا ما يستخدمها ليمرر الانتقاد على نحو لا يعرضه للمساءلة..

الاستغراق المفرط في افكار النجاح :
الانشغال الزائد بأحلام التفوق ، يهرب كثيراً في شروده ليصنع عالمه الخاص، حتي يصل الأمر ببعضهم ان اذا اصابه تعثر ما في حياته تستولي عليه أحلام اليقظة بين النجاح المبهر أو القوة الخارقة أو السيادة المطلقة أو المكانة الاجتماعية البارزة أو تحقيق المنجزات اللا مسبوقة و يكون شروده في عالمه ما يخفف عليه الواقع ، و في أحيان اخري يستولي عليه الطموح فيركز دوما علي ما يفتقد و ما يريد و ما ينقصه أكثر من تركيزه علي ما يملك فعليا ، إلي الحد الذي يمنعه من الاستمتاع بأي من النجاحات الصغيرة التى يحققها، و ربما هذا الطموح المفرط إضافة إلي تكوينه النفساني اللامتعاطف هو ما يجعله يتحول الي وصولي أو استغلالي متسلق يستخدم الآخرين في الوصول لمبتغاه ..فلا يكترث كثيرا بمشاعر المحيطين ، و احيانا يكون تمركز النرجسي لا يدور حول النجاح و الانجاز قدر تركيزه علي جماله الظاهري أو وسامته أو جاذبيته أو ذكائه ، او موهبة يحملها أو قدرة ما يتحلي بها أو مهارة يتقنها أو وظيفة و مركز يشغله ..

 
الغيرة على اعجاب الناس بغيره:
و نظرا الي كونه يهوي دائماً أن يكون محطا لإعجاب الآخرين و انبهار المقربين منه فأنه يود ان تبقي هذه الحفاوة و التقدير حصريا له وحده، هو لا يريد فقط ان يحصل على اعجابك إنما يبتغي أن يستحوذ علي كامل طاقات الاعجاب منك ، فلا يبقي منها شئ ليتوجه لغيره لذا يصيبه استياء بالغ إن ذكرت أحدا أمامه بالخير و لو كان المديح في شيء ليس من مساحات التنافس بينهما، و يزداد هذا الغضب و الحنق من التفاف الناس و بالأخص المقربين منه حول أحدهم حد الحقد عليه و الشماتة الداخلية في ازماته ، و يحاول إبعادهم عنه لتبقي طاقات الانبهار موجهة نحو النرجسي وحده ، يعتبر الاعجاب بغيره نوعا من النقد غير المباشر له أو الانتقاص منه ما يؤدي إلي نوع غير مباشر من (الجرح النرجسي) الذي ينمو بمرور ال

تعليقات