وأنتهى المشوار…أو هكذا يظنون
عَيَّرتني بالشَّيب ، ويا ليتها عيَّرتني بما هو عار .
نسيت – أو تناست – أن الشيب تاج الوقار ،
وأن البياض الذي يسكن الرؤوس ليس علامة إنكسار ، بل شهادة عمر طويل ، وسجل أيام وسنين مرت علينا بما فيها من وجع وأمل ، سقوط ونهوض ، خذلان وصبر
كبرنا … نعم . وهرمنا ... ربما ، لكننا لم ننته
كبرت ملامحنا لأن الحياة كانت قاسية ، وأثقلت كواهلنا بتجارب لا تعد ولا تحصى ، كبرنا لأننا حملنا فوق أكتافنا ما لا نحتفل
وصمتنا حين كان الكلام لا يُجدي ، وتنازلنا حين كان التنازل هو النجاة .
كبرنا لأننا عرفنا الحقيقة مبكرًا : ... وأن لا شيء يدوم ولا أحد يبقى كما كان ، لكن ، هل كبر القلب؟ لا ... وألف لا
ما زال القلب شابًا ، يرتعش لذكرى جميلة ، ويبتسم لطفل يضحك من قلبه ، ويحن لأيام بسيطة كنا فيها نملك القليل...
ونحلم بالكثير .
الشيب ليس عيبًا ، العيب أن يشيب الضمير ، والتجاعيد ليست عارًا ، العار أن تتجعد الأخلاق ، أما نحن فقد شاخت أجسادنا قليلًا
لكن أرواحنا ما زالت تركض ، خلف الأحلام المؤجلة
يقولون: أنتهى المشوار … ولا يعلمون أن المشوار الحقيقي لا يُقاس بعدد السنوات ، بل بما زرعناه في قلوب من أحبّوهم ومروا بحياتنا
لا يُقاس بسرعة الخطى ، بل بصدق النوايا ونقاء القلوب .
أنتهى مشوار الركض ، اي نعم ، لكن لم ينته مشوار الحكمة
أنتهى مشوار التهور ، وبدأ مشوار التعقّل ،
أنتهي زمن الضجيج ، وبدأ زمن الصمت العميق ... الذي يفهم الحياة أكثر .
نحن جيلٌ لا يعرف الإستسلام ، حتى وإن أنهكه التعب ، نحن الذين تعلمنا أن نبتسم وسط العواصف و أن نخفي جراحنا " خلف كلمة الحمد لله "
كبرنا …
لكننا لم نمت.
كبرنا …
لكن قلوبنا ما زالت تنبض بالحياة .
كبرنا …
وسنبقى شبابًا ما دام في القلب نبض وحياة وفي الروح أمل وفي الذاكرة دعاء .
فليعيرونا بالشيب إن شاؤوا ، نحن نرتديه فخرًا لا خجلًا ونحمله وسامًا يخبر الدنيا أننا مررنا من هنا وما زلنا واقفين .
لأن ببساطة شديدة الشباب هو شباب القلب
وكما قال المثل الفرنسي الشهير :
Avoir le cœur vert et l'esprit
jeune
بقلم المعز غني
عاشق الترحال وروح الاكتشاف...

تعليقات
إرسال تعليق