القائمة الرئيسية

الصفحات


وأنتهى المشوار…أو هكذا يظنون 


عَيَّرتني بالشَّيب ، ويا ليتها عيَّرتني بما هو عار .


نسيت – أو تناست – أن الشيب تاج الوقار ،


وأن البياض الذي يسكن الرؤوس ليس علامة إنكسار ، بل شهادة عمر طويل ، وسجل أيام وسنين مرت علينا بما فيها من وجع وأمل ، سقوط ونهوض ، خذلان وصبر 


كبرنا … نعم . وهرمنا ... ربما ، لكننا لم ننته 


كبرت ملامحنا لأن الحياة كانت قاسية ، وأثقلت كواهلنا بتجارب لا تعد ولا تحصى ، كبرنا لأننا حملنا فوق أكتافنا ما لا نحتفل 


وصمتنا حين كان الكلام لا يُجدي ، وتنازلنا حين كان التنازل هو النجاة .


كبرنا لأننا عرفنا الحقيقة مبكرًا : ... وأن لا شيء يدوم ولا أحد يبقى كما كان ، لكن ، هل كبر القلب؟ لا ... وألف لا


ما زال القلب شابًا ، يرتعش لذكرى جميلة ، ويبتسم لطفل يضحك من قلبه ، ويحن لأيام بسيطة كنا فيها نملك القليل...


ونحلم بالكثير .


الشيب ليس عيبًا ، العيب أن يشيب الضمير ، والتجاعيد ليست عارًا ، العار أن تتجعد الأخلاق ، أما نحن فقد شاخت أجسادنا قليلًا 


لكن أرواحنا ما زالت تركض ، خلف الأحلام المؤجلة 


يقولون: أنتهى المشوار … ولا يعلمون أن المشوار الحقيقي لا يُقاس بعدد السنوات ، بل بما زرعناه في قلوب من أحبّوهم ومروا بحياتنا 


لا يُقاس بسرعة الخطى ، بل بصدق النوايا ونقاء القلوب .


أنتهى مشوار الركض ، اي نعم ، لكن لم ينته مشوار الحكمة 


أنتهى مشوار التهور ، وبدأ مشوار التعقّل ،  


أنتهي زمن الضجيج ، وبدأ زمن الصمت العميق ... الذي يفهم الحياة أكثر .


نحن جيلٌ لا يعرف الإستسلام ، حتى وإن أنهكه التعب ، نحن الذين تعلمنا أن نبتسم وسط العواصف و أن نخفي جراحنا " خلف كلمة الحمد لله " 


كبرنا …


لكننا لم نمت.


كبرنا …


لكن قلوبنا ما زالت تنبض بالحياة .


كبرنا …


وسنبقى شبابًا ما دام في القلب نبض وحياة وفي الروح أمل وفي الذاكرة دعاء .


فليعيرونا بالشيب إن شاؤوا ، نحن نرتديه فخرًا لا خجلًا ونحمله وسامًا يخبر الدنيا أننا مررنا من هنا وما زلنا واقفين .


لأن ببساطة شديدة الشباب هو شباب القلب 


وكما قال المثل الفرنسي الشهير : 


Avoir le cœur vert et l'esprit 

jeune 


بقلم المعز غني


عاشق الترحال وروح الاكتشاف...

تعليقات