بقلم/نشأت البسيوني
في لحظة صامتة من العمر يكتشف الإنسان أن الكلام أحيانا يثقل الروح أكثر من الصمت وأن الصمت وحده قادر على ترتيب الفوضى التي خلقها الزمن والأشخاص حوله الصمت ليس هروبا بل مساحة لإعادة النظر وإعادة البناء وإعادة اكتشاف الذات بين صدى الأفكار والذكريات يتضح الطريق وتصبح القرارات أكثر نقاء وأكثر وضوحا الإنسان حين يصمت يسمع نفسه لأول مرة بعد سنوات من
الضوضاء والضجيج المحيط به يسمع رغباته الحقيقية ويشعر بحدوده ويعرف من يستحق وقته ومن لا يستحق ومن يجب أن يبقى ومن يجب أن يترك تتكشف طبقات الحياة واحدة تلو الأخرى ويتضح الفرق بين من يشاركك الألم ومن من يضيف إليه الصمت يعلم الإنسان أن كل تجربة مهما كانت مؤلمة كانت بمثابة مرشد داخلي يوجهه نحو الطريق الذي يحمي قلبه وروحه وأن التسرع
في الثقة أو الحب أو الإعطاء دون تقدير للحقيقة الداخلية للآخرين كان سببا لكل الجروح السابقة ومع مرور الأيام يصبح الصمت صديقا لا يخون وملاذا يلجأ إليه حين تتعقد الأمور وتصبح العلاقات مبهمة ويصبح الوقت أداة لتصفية الروح وإعادة ترتيب الأولويات الإنسان يتعلم أن ليست كل الكلمات صادقة وليست كل الأيادي ممتدة للخير وأن بعض الابتسامات مجرد أقنعة وأن بعض
الغياب نجاة وأن بعض القرب سم وأن بعض الأشخاص كانوا عبء يعيق نمو الروح قبل أن يكونوا نعمة تضاف للحياة الصمت يعلم الإنسان أن القوة الحقيقية ليست في الدفاع عن كل موقف ولا في إقناع كل أحد بقيمة نفسه بل في القدرة على اختيار من يشاركنا رحلتنا ومن نسمح له بدخول قلبنا ومن نتركه خارج حدود سلامنا الداخلي يعلمنا أن نضع حدودا تحمي القلب وتجعلنا نختار علاقات
تنمينا وتدعمنا وتعلمنا الحب والوفاء والصدق وليس كل ما يلمع ذهباً وليس كل ما يقترب سلاما وفي نهاية الطريق حين نصل لنقطة الهدوء ندرك أن كل صمت وكل ابتعاد وكل ألم عاشرناه كان خطوة نحو نضج أكبر وفهم أعمق للحياة والناس وأن الحياة رغم صعوبتها تمنحنا دائما فرصة لنصبح أكثر حكمة وأهدأ وأكثر استعدادا لاستقبال الفرح الحقيقي دون خوف أو تردد دون تصنع أو
تزييف دون أقنعة ولا أقوال جوفاء بل بحقيقة الصمت الذي يعلمنا كيف نعيش بسلام مع أنفسنا ومع من حولنا كل تجربة وكل ألم وكل ابتعاد وكل صمت وكل درس تعلمناه شكلنا ليصبحنا أقوى وأكثر قدرة على الحياة الحقيقة تعلمنا كيف نفرق بين من يستحق أن يبقى ومن يستحق الرحيل وكيف نحمي قلبنا وروحنا ونختار حياتنا دون أن نحمل من حولنا وجعا أو توقعات زائدة وكل لحظة
صمت كانت مفتاح لإعادة ترتيب أفكارنا وأولوياتنا وأحلامنا ورغباتنا لتصبح حياتنا أهدأ وأصفى وأقرب للسلام الداخلي الذي لطالما سعينا إليه والآن ندرك أن الصمت لم يكن فراغا ولا ضعفا بل كان القوة الخفية التي رافقتنا في كل خطوة كل صمت كل لحظة هدوء كل ابتعاد كل رفض كل احترام للذات كل اختيار لحماية القلب والروح كانت صفعة للضوضاء ومفتاحا لفهم الحقيقة وفصل
ما هو مهم وما هو مجرد ضجيج تعلمنا أن نحب أنفسنا بصدق ونحترم حدودنا ونسير على دروبنا بثقة وإيمان أن كل ما نحمله بداخلنا من وجع وصمت وتجارب هو الذي أعاد ترتيبنا ليصبحنا أقوى وأوضح وأكثر وضوحا في حياتنا ونعيش أخيرا بسلام حقيقي لا يحتاج لإذن من أحد ولا رضا من أحد
بل لرضانا نحن فقط

تعليقات
إرسال تعليق