القائمة الرئيسية

الصفحات

حين يستيقظ الضوء في أعماق الإنسان


بقلم/نشأت البسيوني 


حين يستيقظ الضوء في اعماق الانسان يشعر كأنه يلمس تلك المساحة التي نسي وجودها داخله المساحة التي لا يراها احد ولا يسمعها احد لكنها تظل تتحرك في صمت بعيد تنتظر لحظة تستيقظ فيها وتعود لتصبح جزءا من الوعي الذي يحمله الانسان في مسيرته الطويلة مع الحياة حين يستيقظ الضوء في داخله يبدأ يشعر ان العالم اكبر مما كان يظن وان الاشياء التي ظنها عابرة تحمل معاني 


لم يكن قادرا على رؤيتها من قبل ويبدأ يدرك ان كل فكرة مرت في داخله وكل ذكرى وكل صورة وكل خطوة وكل نظرة وكل خيبة وكل انتصار كانت تحمل بداخلها خيطا صغيرا من الضوء لكنه لم يكن يراه لانه كان مشغولا بظلال الحياة وتقلباتها حينها يبدأ يشعر ان روحه تتحرك ببطء كأنها تعود من سفر بعيد وتقترب منه ليستمع اليها وهي تروي حكايات لم يكن يتخيل انها موجودة داخله وتبدأ 


تتكشف امامه تلك المساحات التي لم يدخلها من قبل المساحات التي تحمل رائحة البدايات وصدى الايام القديمة وصوت اللحظات التي تركت اثرها فيه من حيث لا يعلم وتبدأ تتكون داخله حالة تشبه فتح نافذة في مكان مغلق منذ زمن بعيد ومع اتساع هذا الضوء يشعر الانسان ان حيرته تصبح اخف وان حزنه يصبح اقل ثقلا وان خوفه يتراجع قليلا وكأن الضوء يشرح له ان كل ما مر به 


لم يذهب هباء بل كان اشبه بطريق طويل يعبره كي يصل الى لحظة يدرك فيها نفسه بشكل اعمق ويدرك ان الاشياء التي كسرته لم تكسره فعلا بل صقلته بصمت وان اللحظات التي ظنها نهايات كانت مجرد ابواب يخفي خلفها قدرا اخر ينتظر حتى يحين موعده ومع اتساع الضوء اكثر يفهم ان كل انسان يحمل داخله مدينة كاملة مدينة يعيش فيها وحده فقط مدينة لا يستطيع احد دخولها لكنها 


جزء من كل خطوة يخطوها وجزء من كل فكرة يعبرها وجزء من كل حلم يمر بالقرب منه ومع امتداد الضوء اكثر يبدأ يشعر ان العالم الخارجي ليس منفصلا عنه كما كان يتخيل بل هو امتداد لروحه بطريقة ما وان ما يراه في وجوه الناس وفي تفاصيل الاماكن وفي تغير السماء وفي هدوء الليل وفي اضطراب الصباح ليس مجرد مشاهد عابرة بل رسائل صغيرة تساعده على فهم نفسه من زاوية 


جديدة ويبدأ يشعر ان الضوء ليس مجرد مسألة معنوية بل هو طريقة ينظر بها الانسان الى حياته طريقة يختار بها ان يرى المعنى في التفاصيل الصغيرة التي تمر كل يوم دون ان ينتبه اليها احد وحين يزداد هذا الضوء يصبح اقرب الى فهم الحقيقة البسيطة التي يتجاهلها الناس دائما وهي ان الانسان لا يعيش مرة واحدة بل يعيش كل يوم بطريقة مختلفة يعيش في الماضي حين يتذكر 


ويعيش في المستقبل حين يحلم ويعيش الحاضر حين يبدأ يشعر بكل شيء يدور حوله دون خوف دون توتر دون رغبة في الهروب ومع استمرار هذا الامتداد اللانهائي داخل داخله يبدأ الانسان يفهم ان قيمته ليست فيما يملكه ولا في ما يراه الناس فيه بل في قدرته على الحفاظ على هذا الضوء متقدا مهما هبت حوله رياح الحياة ومهما تعددت خساراته ومهما تغيرت ملامحه ومهما ابتعدت عنه 


الاشياء التي كان يظنها ثابتة ومهما اقتربت منه امور لم يكن يتوقع حدوثها وكلما ازداد الضوء اتساعا بدأت روحه تستعيد توازنها بطريقة لا يستطيع تفسيرها لكنه يشعر بها تلمس داخله وتعيد تشكيله من جديد ليصبح اكثر هدوءا واكثر وعيا واكثر انسجاما مع نفسه ومع العالم ومع كل ما يمر به وكلما تقدم الضوء اكثر يصبح الانسان قادرا على رؤية ابعد من حدود نفسه ويرى ان الحياة ليست 


سباقا كما تخبره المدن وليست صراعا كما توهمه الخطوات السريعة وليست معركة كما تجعله التجارب القاسية يظن بل هي صوت طويل يتحرك فيه الانسان من مكان الى مكان ومن مرحلة الى مرحلة ومن فكرة الى فكرة ومن شعور الى شعور كأنه يعبر جسرا طويلا فوق نهر دائم التدفق وكل شعور يختبره يصبح جزءا من جسده وكل خطوة يعبرها تصبح جزءا من ذاكرته وكل حكاية يمر 


بها تصبح جزءا من روحه ومع اتساع الضوء اكثر يبدأ يشعر ان الزمن ليس عدوا كما يعتقد الكثيرون بل معلم صامت يعبر من داخله كي يترك اثرا يوقظه ويعيد تشكيله ويجعله يفهم انه كلما مشى اكثر كلما عرف اكثر وكلما عرف اكثر كلما عاد الى نفسه بشكل اعمق وادق واصدق وكلما عاد الى نفسه كلما استطاع ان يعيش العالم بطريقة مختلفة وكل هذا الامتداد يواصل التوسع بلا توقف 


وكأنه مسار طويل لا نهاية له مسار يجعل الانسان يدرك ان الضوء حين يستيقظ داخله لا يعود يطفأ ابدا بل يظل يكبر ويكبر ويتحول من مجرد شعور الى رحلة ومن رحلة الى وعي ومن وعي الى قوة داخلية ترفع الانسان من اماكنه المظلمة وتعيده الى الطريق الذي يستحق ان يسير فيه مهما طال ومهما تعثر ومهما ابتعد ومهما نسي نفسه ثم وجدها من جديد وكل يوم يصبح الانسان اكثر قدرة على 


فهم الاخرين اكثر صبرا اكثر تعاطفا اكثر حبا للوجود نفسه اكثر تقبلا لما هو مختلف اكثر وعيا لما حوله ومع اتساع الضوء في داخله تبدأ كل المشاعر البسيطة تتحول الى قوة داخلية وادراك اعمق لكل لحظة يمر بها وكل نفس يتنفسه وكل مشهد يراه وكل كلمة يسمعها وكل صمت يعيش فيه وكل لحظة تصبح رحلة اكثر وضوحا واكثر عمقا وكلما مضى في هذه الرحلة يصبح قادر على 


احتضان العالم بكل تقلباته وامواجه بكل حزنها وفرحها بكل صمتها وازدهارها وكل هذه الامتدادات تصبح جزءا من وجوده وتصبح حقيقته التي يعرفها فقط هو وحده ويصبح هذا الضوء الذي استيقظ داخله ليس مجرد شعور عابر بل قصة مستمرة تتكشف كل يوم وتعيد تشكيله وتجعله اكثر انسانية واكثر سلاما مع نفسه ومع كل ما حوله وكل لحظة وكل شعور وكل فكرة وكل خطوة وكل 


تجربة وكل خيبة وكل انتصار وكل صمت وكل فرح وكل دمعة وكل ابتسامة وكل حزن وكل ضحكة وكل حلم وكل امل وكل واقع وكل ذكرى وكل لحظة اصبحت جزءا من رحلة 

الانسان في اكتشاف الضوء داخله

تعليقات