الكاتب الصحفي عمر ماهر يكشف أسرار العام الماضي ويستشرف المستقبل: رحلة الإنسان بين التحديات والفرص
بين لحظة توديع عام 2025 وبزوغ عام 2026، يقف الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر على مفترق طرق فكري وشخصي، يستعرض رحلة العام الماضي بكل ما حمله من نجاحات وإخفاقات، من ضغوط متواصلة وأحداث غير متوقعة، ومن تحديات شكلت شخصيته ومساره بين المحاماة والصحافة، وصولًا إلى الفرص الجديدة التي يبشر بها العام الجديد.
يؤكد عمر ماهر أن عام 2025 كان عامًا معقدًا مليئًا بالمفارقات الاجتماعية والنفسية والتكنولوجية، شهد فيه صراعات داخلية وخارجية، لحظات فرح وفقد، وضغوطًا متكررة على الفرد والمجتمع، ومع كل ذلك ظل باحثًا عن المعنى، عن الهدف، وعن ذاته الحقيقية وسط هذه الأزمات المتشابكة.
مع دخول 2026، يحمل عمر ماهر أمنياته الصغيرة والكبيرة، ورغباته في حياة أكثر اتزانًا ووعيًا، وأحلامه في تجاوز الأخطاء الماضية، واستثمار الفرص الجديدة لتحقيق السلام الداخلي والنجاح الحقيقي، بعيدًا عن الصور الزائفة التي يفرضها العالم الرقمي أو المجتمع. تعتبر هذه الفترة بين عامين لحظة للتأمل، للحساب، ولإعادة ترتيب الأولويات، وللتفكير في كيفية مواجهة التحديات المستقبلية على المستوى الفردي والاجتماعي والإعلامي.
في هذا الحوار الموسوعي مع عمر ماهر، نسلط الضوء على كل ما لم نتحدث عنه سابقًا: الضغوط النفسية، التربية، الزواج، الأخلاق، الجرائم، المخدرات، الإدمان الرقمي، الإعلام والمحتوى، التكنولوجيا، الصحة النفسية، البطالة، الفقر، والجريمة الاقتصادية… لنقف أمام هذه الملفات المعقدة، نفهمها، نستخلص الدروس منها، ونصنع أمنيات عام 2026، ليس كأمنيات سطحية، بل كخطوات عملية نحو حياة أكثر وعيًا واستقرارًا، حياة توازن بين الإنسان والزمان، بين الواقع والصورة، بين الذات والمجتمع، بين الطموح والراحة النفسية، وبين التكنولوجيا والمعنى الحقيقي للوجود.
الإنسان اليوم يعيش في عالم مزدحم بالمسؤوليات، الضغوط الاقتصادية، وموجات الإعلام التي لا تهدأ، ويُطلب منه أن يكون ناجحًا، محبوبًا، متفوقًا، وفي الوقت نفسه يحافظ على علاقاته الأسرية والاجتماعية، كيف يمكنه أن يتعرف على ذاته وسط كل هذا الصخب، ويجيب عن السؤال الأساسي: من أنا حقًا؟
الإنسان في عصرنا أصبح مضغوطًا أكثر من أي وقت مضى لأنه يعيش في سياقات متناقضة، يُطلب منه الأداء بلا توقف، ويُحاسب على شعوره، ويقارن ذاته بما يراه على الشاشات وفي وسائل الإعلام، وهو يفتقد المساحة الصامتة للتأمل، ولذلك تتأزم العلاقة بين الذات والوعي، الإنسان ينسى أحيانًا أنه كائن بحاجة إلى الراحة والتوقف، ويصبح حياته سلسلة من التفاعلات السطحية، والردود الآلية على ما يُتوقع منه، وليس على ما يشعر به فعليًا. معرفة الذات تتطلب شجاعة، ووقتًا، ووعيًا بالممارسات اليومية، تتطلب أيضًا قدرة على قول “لا” للضغوط الاجتماعية والرقمية، والاعتراف بالضعف، واحتضان الفشل كخطوة للتعلم، وكل ذلك نادر الحدوث في عالم يُقاس فيه الإنسان بعدد النجاحات المرئية وعدد الإعجابات والمشاركات، لا بعمق شعوره وتجربته الداخلية.
التربية هي الأساس، ومع ذلك نجد أن الأطفال ينشؤون أجيالًا مضطربة، ما السبب الحقيقي وراء ذلك، وكيف يمكن إعادة بناء نموذج تربوي فعّال؟
التربية ليست نقلًا للمعلومات أو فرضًا للانضباط الخارجي، بل هي فن غريب الأطوار يحتاج إلى فهم عميق للنفس الإنسانية، وللأسف أصبح كثير من الآباء والمعلمين يربون على الخوف من العقاب والقلق من الفشل، وليس على فهم السبب والنتيجة، الأطفال الذين لا يُعطون مساحة لطرح أسئلتهم، لا يُمنحون فرصة للتعبير عن مشاعرهم، ولا يُعلمون احترام حدودهم وحدود الآخرين، سينشأون على التوتر الداخلي، والغضب المكتوم، والشعور بعدم الكفاية، التربية الصحيحة تبدأ بالاستماع أكثر من الحديث، وبالفهم أكثر من التوجيه، وبالقدوة أكثر من العقاب، إن أردنا مجتمعًا واعيًا ومستقرًا، يجب أن نزرع في الأطفال القدرة على التفكير، وحل المشكلات، واحترام اختلاف الرأي، وحب النفس قبل حب الآخرين، وهذا يحتاج إلى صبر طويل، ووعي مستمر، ورفض الانصياع للمظاهر الاجتماعية فقط.
الزواج اليوم يبدو صعبًا، كثيرون يدخلون علاقة حياتهم وهم يحملون توقعات مثالية، كيف يمكن أن يكون الزواج شراكة حقيقية بدل أن يتحول إلى ساحة صراع دائم؟
الزواج شراكة معقدة بين كائنين غير كاملين، ونجاحه يعتمد على قدرة الطرفين على إدارة الاختلافات، وفهم أن الحب وحده لا يكفي، وأن توقع الكمال من الشريك يقتل العلاقة قبل أن تبدأ، كثيرون يبالغون في الرومانسية، ويضعون أفكارًا عن السعادة المطلقة لا وجود لها في الواقع، والزواج الناجح يقوم على الاحترام المتبادل، القدرة على الحوار الصريح، والاعتراف بالخطأ، والمشاركة في تحمل المسؤوليات اليومية، والوعي بأن الشريك لن يقرأ الأفكار، وأن حل المشكلات يتطلب جهدًا مستمرًا وليس لحظة رومانسية عابرة، والفشل في هذه الإدراك يولد الخلافات المستمرة والملل، ومع ذلك، الزواج الذي يُدار بوعي ونضج يمكن أن يكون تجربة تعليمية لا تقدر بثمن في معرفة النفس والآخر.
الأخلاق أصبحت شعارًا يُرفع أكثر مما تُمارس، لماذا نلاحظ هذا التباين بين القول والفعل في حياتنا اليومية؟
الأخلاق تزدهر في بيئة عادلة، وفي مجتمع يحترم الإنسان، ويُحاسب الجميع، ولكننا نعيش في واقع تتضارب فيه القيم، يُطلب من الفرد أن يكون مثاليًا بينما تُمارس السلطة والنفوذ بلا حدود، ويُتجاهل العدالة الاجتماعية، الأخلاق ليست رفاهية، بل شرط أساسي لاستقرار المجتمع، وعندما يُنظر إليها كخدمة أو ترف، تصبح ضعيفة وسهلة الانكسار، والتناقض بين الخطاب والسلوك يولد الشعور بالخذلان، ويجعل الناس أقل رغبة في الالتزام، مما يؤدي إلى زيادة حالات الاستهتار والانحراف، ويفتح الباب لكل أشكال العنف المجتمعي.
قضايا التحرش والجريمة تتكرر يوميًا، ورغم ذلك نميل لمناقشتها كحوادث فردية، ما السبب وراء هذا الصمت الاجتماعي؟
الصمت ليس نتيجة جهل فقط، بل هو خوف من المواجهة، وخوف من الاعتراف بأن المجتمع نفسه جزء من المشكلة، التحرش لا يولد فجأة، ولا الجريمة تحدث بمعزل عن السياق الاجتماعي، هناك تراكم طويل من الإهمال، والتهميش، وانعدام التوعية، وصمت الضمير، وعند تغافل المجتمع عن تعليم الأطفال واليافعين احترام الآخر، وتعليمهم حدودهم، يصبح الفرد أقل استعدادًا للامتناع عن الأذى، وكل صمت يساوي مشاركة، سواء بالسكوت أو بالتبرير، والمواجهة الحقيقية تتطلب شجاعة جماعية، ووعيًا متواصلًا، وإصلاحًا جذريًا للتربية والتعليم.
الأطفال هم الضحايا الأكبر، كيف نحميهم في عالم مزدحم بالشاشات، والصوت العالي، وضغوط الكبار؟
الأطفال يحتاجون إلى حماية ليست فقط جسدية، بل نفسية وعاطفية، يجب أن يشعروا بالأمان داخل البيت والمدرسة والمجتمع، وأن يُمنحوا فرصة للتعبير عن مشاعرهم بدون خوف أو لوم، وأن نضع حدودًا واضحة لا للشاشات فقط، بل لمحتوى يؤثر على نموهم النفسي والقيمي، وأن نشاركهم الحوار بدل فرض الانصياع، وأن يُفهموا أن الأخطاء جزء من التعلم، وهذا يتطلب وعيًا متواصلًا من الآباء والمعلمين والمجتمع، فالأطفال الذين يُتجاهل صوتهم اليوم، سيكونون بالغين يعانون من الفراغ الداخلي، والعجز عن التواصل، وقد يكرّرون أنماط العنف أو الخوف التي تربوا عليها.
السوشيال ميديا والإعلام الحديث أصبحا جزءًا من حياتنا اليومية، كيف يؤثران على القيم والوعي الفردي والجماعي؟
السوشيال ميديا والإعلام أدوات قوية جدًا، يمكن أن تبني وعيًا، أو تشوّه الوعي بشكل خطير، عندما يغلب المحتوى السطحي والمثير على ما هو حقيقي وهادف، يصبح الإنسان أسرى لموجة الضجيج، يقارن نفسه بالآخرين، ويقيم قيمة ذاته بعدد المشاهدات والإعجابات والمتابعين، وتنتشر صورة مثالية للعلاقات، والنجاح، والسعادة، دون سياق، فيولد شعورًا مستمرًا بالنقص، وقلقًا داخليًا لا يعرف توقفًا، بينما الإعلام التقليدي إذا فقد مصداقيته، يترك فراغًا كبيرًا يسده المحتوى الرقمي بلا وعي، وصانع المحتوى يتحمل جزءًا من المسؤولية، فكل مشاركة، وكل متابعة، وكل إعجاب يشارك في إعادة إنتاج هذه البيئة المشوّهة، لذلك وعي الفرد أصبح سلاحه الأول للحفاظ على ذاته.
تطوير الذات أصبح شعارًا منتشرًا، لكن بين النظرية والتطبيق فجوة كبيرة، كيف يمكن للإنسان أن يحقق تطورًا حقيقيًا؟
التطوير الحقيقي يبدأ بالاعتراف بالنقص وبمواجهة النفس بلا تزيين، ويحتاج إلى صبر طويل، وممارسة مستمرة، ومقدرة على التأمل الذاتي، وليس بمجرد الاستماع لكلمات تحفيزية أو متابعة نماذج جاهزة، فهو يشمل تعديل السلوك، وتنظيم العواطف، وفهم الأولويات، ومواجهة الخوف والفشل، وإدراك أن الحياة رحلة، وليس سباقًا للفوز بالصور المثالية التي يُعرضها العالم الرقمي، فالتطور الحقيقي يحمي الإنسان من الضياع النفسي أكثر مما يحقق له شهرة أو ثروة.
المخدرات والإدمان الرقمي يتجاوزان مسألة اختيار فردي؛ هما انعكاس لخلل اجتماعي ونفسي عميق، حيث يختبر الإنسان شعور الفراغ، القهر، الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، أو حتى الوحدة الداخلية، فتبدو المخدرات كمهرب أو متنفس مؤقت. الإدمان الرقمي يشبه المخدرات التقليدية في كونه يسلب الإنسان وعيه ويؤثر على صحته النفسية والجسدية، والفرق أن تأثيره أحيانًا أقل وضوحًا لكنه أكثر انتشارًا. الحل لا يقتصر على العقاب، بل على بناء نظام دعم نفسي واجتماعي حقيقي، وتوعية الشباب، وتوفير مسارات بديلة للإبداع والتواصل، بحيث يشعر الفرد أنه قيمة قبل أن يكون متابَعًا أو مستهلكًا لمحتوى.
الجرائم الاقتصادية والفساد المالي لا تؤثر فقط على الدولة، بل تهز ثقة المواطنين في أنفسهم وفي المجتمع، كيف نعيد العدالة والثقة وسط هذه التحديات؟
الفساد والجرائم المالية تهدد النسيج الاجتماعي لأنه يخلق شعورًا بالعجز وفقدان العدالة، ويضع الإنسان في مواجهة يومية بين الطموح والواقع المظلم، كما أنه يقلل الحافز للإنتاج والالتزام بالقانون. إعادة الثقة تبدأ بوضع قوانين صارمة وشفافة، ثم بث الوعي بأن كل فرد مسؤول عن دوره في المجتمع، وتحفيز ثقافة الصدق والمسؤولية، وعدم اعتبار النجاح الاقتصادي أو النفوذ فقط معيارًا للقيمة، فحين يشعر المواطن بأن العدالة حاضرة، ويُكافأ الجهد والنزاهة، يعود المجتمع تدريجيًا إلى المسار الطبيعي.
العنف الأسري وجريمة الاعتداء المنزلي تُربك المجتمع بشكل كبير، ما أثرها على الأطفال وعلى العلاقات الأسرية طويلة الأمد؟
العنف الأسري يخلق آثارًا نفسية عميقة، فالطفل الذي يعيش في بيئة مليئة بالغضب والخوف غالبًا ما ينشأ مكتئبًا أو عدوانيًا أو منطويًا، وقد يكرر هذه الأنماط لاحقًا، سواء في علاقاته الزوجية أو المهنية. العنف لا يقتل الجسد فقط، بل يقتل الثقة، ويهدم قدرة الإنسان على التواصل والاحترام، ويؤدي إلى مشاكل متسلسلة في الصحة النفسية، والتعلم، وحتى السلوك الاجتماعي. لذلك حماية الأسرة تتطلب وعيًا تربويًا، دعمًا نفسيًا، قوانين صارمة، وحملات توعية مستمرة.
البطالة والفقر من الملفات الكبرى التي تؤثر على كل ملفات المجتمع تقريبًا، كيف يمكن للإنسان أن ينجو من تأثيرها النفسي والاجتماعي؟
البطالة والفقر يضعفان القدرة على الاختيار ويزيدان الإحباط، وقد يدفعان الإنسان إلى تبني سلوكيات انفعالية أو غير قانونية أحيانًا. النجاة من تأثيرهما لا تقتصر على الحلول الاقتصادية فقط، بل على بناء صمود نفسي، وتعليم مهارات حياة، وتعزيز شبكة دعم اجتماعية، وإعادة ترتيب الأولويات، والبحث عن الفرص المتاحة بدل الانغماس في الشعور بالعجز. المجتمع الذي يترك أفراده بلا أمل يخلق بيئة خصبة للإدمان والعنف والجريمة.
الجرائم الإلكترونية والإدمان الرقمي أصبحت تهدد سلامة الأفراد والمجتمعات، كيف يمكن للإنسان أن يحمي نفسه ويستعيد وعيه وسط هذا الطوفان؟
الإدمان الرقمي والجرائم الإلكترونية مرتبطان بعالم متشابك من الشاشات، حيث يضيع الإنسان بين المعلومات المضللة، والمغريات الافتراضية، وضغط التواجد الدائم. حماية النفس تبدأ بالوعي، ووضع حدود للوقت الرقمي، وتعليم الشباب مهارات التحقق، والتفكير النقدي، وعدم الثقة بأي محتوى بلا مراجعة، فالإدمان الرقمي يفرّغ الإنسان من طاقته الحقيقية، ويعيق نموه الفكري والاجتماعي.
التكنولوجيا لها جوانب إيجابية لا يمكن إنكارها، لكنها أحيانًا تتحول إلى أداة ضغط أو استعباد، كيف نوازن بين الفائدة والخطر؟
التكنولوجيا أداة، والقوة في الوعي باستخدامها. يجب على الإنسان أن يتحكم بالوقت والوسائل، وأن يحدد أولوية الحياة الواقعية على الافتراضية، وأن يستثمر التقنية في التعلم والتواصل والإبداع، وليس لمجرد المتابعة أو الانغماس في الترفيه المستهلك. التوازن يتطلب إدراك أن كل دقيقة تقضيها أمام الشاشة هي دقيقة من حياتك الحقيقية، وأن الحياة تتطلب تواصلًا فعليًا، حركة، وتأملًا بعيدًا عن الأجهزة.
إذا أردنا أن نوجز كل هذه الملفات: المخدرات، الجرائم، الفقر، التكنولوجيا، الصحة النفسية، الإعلام، الإدمان الرقمي… في نصيحة واحدة شاملة للإنسان اليوم، ماذا تقول؟
احمِ وعيك، كن حاضرًا مع نفسك ومع من حولك، لا تسمح للضغوط أو التكنولوجيا أو الفراغ أن يتحكموا في حياتك، اعتنِ بصحتك النفسية والجسدية، وساهم في بناء بيئة عادلة حولك، واحمل المسؤولية عن اختياراتك، لأن كل خطوة صغيرة تجاه الصدق والوعي والاهتمام الحقيقي بالنفس والآخرين هي بمثابة جدار حماية ضد كل المخاطر المعاصرة، ومن هنا يبدأ التغيير الحقيقي.
أخيرًا، لو أردت أن تلخص كل هذه الرحلة في نصيحة واحدة للإنسان اليوم، ماذا ستكون؟
ابدأ بالصدق مع نفسك، احمِ وعيك من الضجيج، استمع لطفلك الداخلي، احمِ العلاقات المهمة من السطحية، واجعل التطور رحلة داخلية لا عرضًا رقميًا، وعش حياتك بما يحقق لك معنى لا بما يرضي الآخرين، فالمجتمع يتغير، والشاشات تتكاثر، لكن ا
لإنسان الحقيقي هو الذي يعرف قيمته من ذاته، لا من الإعجابات أو التريند.


تعليقات
إرسال تعليق