الأديبة والمفكرة الدكتورة حكيمة جعدوني.
قراءة تحليلية في الوضع الراهن.
علمنا أن حاكم أمريكا الشمالية يسعى إلى غزو دول في أمريكا الجنوبية، وليس في نيته إصلاح أنظمتها، أو إعادة النظر في إدارات سجون تجري فيها تجاوزات، أو بدافع أخلاقي يهدف إلى إزاحة حكام طغاة وتعويض شعوبها بحكام يصنعون السلام ويحسنون إليهم. إنه يسعى إلى السطو المقنّع "جهارا نهارا"، وإلى صناعة الفوضى، وإلى تكريس منطق القوة العارية.
بأي عقل يفكر؟
إنه لا عقل له ولكن استخدم سلطة الطاغية المستقوي على الشعوب الضعيفة، مجنون يريد أن يعلن أن امتلاك القوة يمنح حق التصرف في مصائر الآخرين وأن يفعل ما يريد بالمستضعفين في الأرض، وأن القانون يُكتب حيث تصل الأساطيل وتصمت الضمائر.
هل يريد إقناع الجميع أن أمريكا تحوّلت إلى دولة عصابة تدير قرصنة كبرى؟ أم أنه يعلن نهاية دور تاريخي طالما رُفع شعاره زورا بوصفها راعية للسلام العالمي؟
الجزيرة الأمريكية محلّ إبستين باتت رمزا مدويا لسقوط الأقنعة، وتعرّي الإمبراطورية الأخلاقية، ونهاية الأسطورة التي نسجت علنا خيوط الخطاب الملفّق بإسم الحرية، بينما أديرت في الخفاء بشبكات الاستغلال والانحلال. هناك، في تلك الجزيرة المروعة، بدأ أفول أمريكا كقيمة لا كقوة. وهناك، تحوّل السؤال عن من يحكم العالم إلى من يملك الجرأة على كشف الحقيقة.
إنه يريد إخبار رعاياه أن أمريكا انحدرت إلى عتبة القاع، وصار جلّ إهتمامها اليوم كيف تغزو الشعوب الضعيفة وتنهب ثرواتها. هذا النهج الحديث يقود البلاد إلى مواجهة كبرى مع التاريخ ومع الواقع الدولي المتحوّل.
لذا، أقول عليه أن يعيد حساباته في مسألة غزو دول أمريكا الجنوبية والتراجع فورا، لأن ما سينجرّ بعد هذه الحملة يتجاوز ساحة الحرب المباشرة. فخلف أمريكا سوف يكون هنالك بحر مضطرب، ومعنى ذلك واضح: أنك ستخلّف فراغا، وهذا الفراغ سرعان ما يملؤه غيرك.
حين تخرج السفن الأمريكية والبوارج والطائرات والجيش الأمريكي لقتال دول أمريكا الجنوبية، يتشكل خلفك بحر هائج اسمه الفراغ الاستراتيجي. هذا الفراغ يتحوّل إلى ساحة مفتوحة للطامعين والخصوم وأصحاب الحسابات المؤجّلة.
أمريكا اليوم تستخفّ بخطورة الأمر. جيش فنزويلا وقدراته الدفاعية والشعب يتجاوزون توقعاتها. هذه الحرب ستتحوّل إلى طاحونة ومقبرة للجيش الأمريكي على أرض فنزويلا، صدق أو لا تصدّق.
الهزيمة في فنزويلا وكوبا وهذه الدول ستضع سمعة أمريكا تحت أقدام خصومها، ثم تدفع بها إلى مستوى أدنى وهي مجاري صرف التاريخ، حيث تتحوّل من قوة مهيبة إلى جسد مفكّك تتقاسمه القوى الدولية.
سقوط الجيش الأمريكي في هذا الفخّ المحكم يفتح الباب أمام دول تحمل تاريخا طويلا من الصراع مع أمريكا، عند رصدها هذه الهزيمة، ستضرب الاقتصاد الأمريكي بلا تردّد وتدفعه إلى القاع. الوضع يشبه بقرة بكر سقطت أرضا بعد الرعاية؛ لحظة ذبحها تتحوّل إلى غنيمة، ويتقدم الجميع لاقتسامها، وكل طرف ينتزع حصته وهم يبكون عليها.
هذا السطو سيقود أمريكا إلى نهايتها بفعل قرارها المتسرّع، فبفتح أبواب الفراغ على مصراعيها يعدّ مخاطرة، ويحرّك دول أخرى لملء ذلك الفراغ.
الولايات الأمريكية ستشهد مرحلة تفكّك داخلي، وستبقى آثار الحكم الأمريكي المنهار مسيطرة على الوضع. ولكن الولايات الخمسون ستخشى على مستقبلها وثرواتها، وستبحث عن مظلات جديدة تحمي اقتصادها وشعوبها. هذه الولايات ستحوّل ولاءها نحو قوى دولية تراها أكثر استقرارا ونجاحا حفاظا وذلك على مصالحها.
دخول أمريكا الشمالية في حرب مع أمريكا الجنوبية يمثل انهيارها الحتمي. هذا القرار صدر عن عقل سياسي مرتبك، يفتقد للرؤية السياسية المحنّكة، وتعامل مع الوضع بمنطق القوة المجرّدة. والخرائط الفلكية القديمة للحروب المستقبلية تكشف عن خطوة غيبية بالغة الخطورة.
لأن أمريكا تخوض مواجهة مع فنزويلا من دون إدراك لطبيعة الأرض ولا لطبيعة الصراع. وإن كانت ترتكز على تفوقها في العتاد والعدد، سيقودها إلى كارثة أكبر من تجربة فيتنام. القيادات العسكرية الأمريكية تعتمد على خبرات ماضية ومعارك تقليدية، بينما ساحة فنزويلا تفرض نمطا مختلفا تماما، ولا علاقة له بالغابات، ولا بالأرض، ولا بالبحر، ولا العدد ولا العدّة ولكن بالمجهول المختلف في هذه البلاد والذي يحمل عنصر المفاجئة، يتجاوز الحسابات العسكرية الكلاسيكية. فنزويلا هذه الأرض مشهورة قديما أنها تمتلك تاريخا عميقا ذي عالم غريب، وهذا البعد يشكل جزءا من قوتها الرمزية والنفسية. المعركة ستتحوّل من مواجهة عسكرية عادية إلى صراع غير مؤلوف متعدّد الأوجه، يستنزف القوى الأمريكية ويقودها إلى خسارة شاملة.
هذه الحرب ستُسجّل بوصفها ساعة الصفر، حيث تتحطّم صورة القوة أمام واقع معقّد، وتتحوّل الهيمنة إلى عبء، وبداية العدّ التنازلي لمرحلة أفول تاريخية.
الخسارة في الحرب تمتدّ إلى ما هو أبعد من الجيوش والخرائط. عند الهزيمة، ينكشف الإذلال الجسدي والانهيار النفسي حيث تسخّر النسوة والثروة، كما حدث قديما حين ارتبط سقوط الحضارات بانكسار الكرامة الجماعي.
من زاوية تاريخية، سوف يحمل سقوط أمريكا جانبا إيجابيا، لأنها تحولت إلى عنصر تهديد دائم للاستقرار العالمي. ومن زاوية أخرى، يأتي هذا السقوط في توقيت بالغ الخطورة. انهيارها في هذه اللحظة يزعزع النظام الدولي بأكمله، لأنها أعدّت شبكة واسعة من الاتفاقيات والمعاهدات مع دول كثيرة. وإذا تفكّكت يجعلها بلا قيمة عملية، ويفتح الباب أمام فوضى عارمة. دول كانت تعتمد على الحماية الأمريكية ستجد نفسها مكشوفة. مثلا دول الخليج ستدخل دائرة الاستهداف الإقليمي، وحتما ستواجه ضغوطا سياسية وأمنية. إسرائيل، المرتبطة بتحالفات أمريكية مباشرة، ستتحول إلى بؤرة اشتعال، وستتلقى ضربات من محيطها الإقليمي.
الوضع سيتحوّل إلى سلسلة صراعات متداخلة، حيث تستغل كل دولة لحظة انهيار أمريكا لتصفية حساباتها. والعالم سينزلق نحو إضطراب عام، وتؤول الاصطدامات إلى حروب همجية كما لو أنها مصابة بداء الكلب، تحكمهم الغريزة لا العقل، ويغيب فيها ميزان الردع.
وفي هذا المناخ المشحون، تدخل إسرائيل مرحلة ارتباك استراتيجي مع زوال الغطاء الأمريكي، وتتعامل مع الخطر بعقلية القوة القصوى. التصعيد النووي يصبح خيارا مطروحا، وتتحوّل الضربات المتبادلة إلى سيناريو دمار شامل، حيث يردّ الخصوم بالمثل، ويصل الصراع إلى نقطة انفجار تهدّد الوجود الإقليمي برمّته.
هكذا تصبح هزيمة أمريكا غدا زلزالا بالنسبة لإسرائيل، وتتدحرج الأحداث من انهيار سياسي إلى خراب حقيقي، واضطراب مفتوح.
على هذا الأسطول الأمريكي، الذي تحرّك لغزو فنزويلا بعقلية القرصان الأخرق، أن يختار التراجع الفوري والكامل، ولا يطلق ولو رصاصة واحدة على المحيط الفنزويلي. أي احتكاك عسكري مع أصحاب الأرض يتحوّل إلى مواجهة أوسع، لأن الصراع سيتجاوز إلى ما وراء الانسان الفنزويلي. طريق الظلّ سيضع أمريكا في مواجهة الغضب، قوى تراقب وتنتظر لحظة الحسم. من يشكّك في ذلك يكفيه الرجوع إلى الماضي، أو الاستعانة بمن يحلّل خرائط الفلك القديمة للحروب القاسية، حيث سيفهم عمق المخاطرة في هذه المغامرة. إن مجرد التفكير في ضرب فنزويلا أحدث توترا شديدا، ووصل إلى جهات غير معنية، وبدأت دوائر الردّ تحاك بصبر. الآن يُحاك حول أمريكا نسيج عنكبوتي محكم، ومع كل خطوة إضافية تضيق المصيدة أكثر. هذه الجرأة تكفي لوضع القائد الأعلى في دائرة الاستهداف، ويبدأ العدّ التنازلي لموته في الوقت المحدّد.
المشهد برمّته يشبه بقوة، قضية جزيرة إبستين، ذاك المكان الذي كان يتردّد إليه الحاكم الأمريكي والنخبة اليهودية، لتتجسّد فيه مظاهر استغلال السلطة وإساءة استخدام النفوذ، حيث تتحوّل الثروة والساسة إلى ممارسات تدوس على وجوه الأبرياء. إن الاعتداء على الأطفال والقتل كان هناك بمثابة التكريم، كون الأمريكي قدّم خدمة بتفاني للإسرائيلي، ما تريده منهم كانت تكافئهم عليه بأن تزودهم بوقود من أطفال صغار، مارسوا عليهم وحشية الحيوانات في البراري، ولكن هذه الأخيرة حدثت على جزيرة مالكها صهيوني الهويّة. مما يبرز مدى انحدار أخلاق الحاكم في أمريكا وإسرائيل.
هناك على الجزيرة يظهر الرئيس الأمريكي ضعيف جدا وهو يستقوى على الأطفال، ليس بالمعنى التقليدي للوحش العظيم الذي يملك القدرة على تدمير الجبال أو نسف البحار أو ترك بصمة دائمة على الصخور، بل كوحش قزم يتجسّد في التعدّي على طفلة صغيرة بطرق عنيفة مقززة،
وكفاشل وسارق مقنّع يسطو على الدول الأكثر ضعفا ويستغلهم لمصلحته. هذا النوع من الوحشية يغيّر مفهوم الوحش نفسه، من قوة طبيعية خارقة إلى مريض نفسي قائم على العنف والطغيان، مثله يكون بحاجة إلى أن يُزجّ في مستشفى المجانين.
الصور المسرّبة والوقائع المرتبطة بجزيرة إبستين كشفت عن شخصية الحاكم المحطّمة وهو يبحث عن الأطفال ليعتدي عليهم ويبحث عنه الرجال ليعتدوا عليه. فهل تصورتم أن وحشا يُفعل فيه ما فُعِل به وهو حاكم دولة أمريكا الحديثة؟ ولذلك رفض أن تخرج الملفات علانية، لأنها ستدينه وتظهر حقيقته على أنه مجرد مريض يعاني اضطرابا نفسيا.
سيكتشف العالم أن الصورة المرسومة له كـ"وحش أمريكي عظيم" يمكنه أن يشرب مثلا مياه البحار، قد شرب فقط من دماء الأطفال، والذي يستطيع أن يخترق السماء، تم اختراق مؤخرته لا أكثر ولا أقل، وأنه يشقّ الجيوش، فكان فقط يشقّ أدبار الصغار. الواقع يظهره ككائن قذر ومضطرب، يستقوي على الأضعف والدول الضعيفة وينهبها.
ما علاقة جزيرة إبستين مع الحاكم الذي شنّ الهجوم على فنزويلا؟
إبستين المعتوه والذي نشأ على الشذوذ، تربطه علاقة حميمية، لدرجة أن حاكم أمريكا صاحبة القوة العظمى يسافر إليه ليتعدى على شرف صغيرة ويعتدى عليه.
وبالتالي تصرّفات الحاكم الأمريكي تجاه فنزويلا تكمن في حقيقة الشخصية نفسها. هذا الحاكم، هو نفسه الوحش، الذي كان يذهب إلى هناك. القوة التي تبدو مهيبة على الخارطة تتحوّل إلى وهم أمام اختبارات أخلاقية ومعنوية لا مستقبل لها.
المضحك في الأمر أن الحلفاء التي تخاف أمريكا وتنزل عند قدميها بسبب طائراتها وصواريخها، هؤلاء الحكّام الذين لا شرف لهم، اختاروا التعاون مع أمريكا الفاقدة لمصداقيتها، كان الأجدى بهم أن يتحرّكوا بحذر واستقلالية، بدلا من الانحناء والخضوع بهذه الطريقة التي تفضح جبنهم.
،؛، فكيف يطلبون الحماية من فاسد بلا شرف؟ كلاهما يبدو مهرج، مريض على مسرح الجريمة،؛،
أمريكا اليوم تتصرّف كطفل في الطور التحضيري، يحاول سرقة رغيف خبز من محفظة زميله دون فهم عواقب أفعاله.
أمريكا ما هي إلا وعاء فارغ يعكس حقيقتها الرجل المهرّج، الذي يحرّك الرؤوس النووية، وقد ظهر حكّام أمريكا وهم يلبسون فساتين نسائية، ويذهبون عند الأخرق الفاشل إبستين المشلول المؤخرة يعتدي عليهم، والحكمة تقول: الحاكم الحقيقي لا يُفعل به.
أمريكا عليها أن تحذر، فصورتها تشوهت من خلال صورة الحاكم اليهودي المريض. هذا الانكشاف يوضح نهاية الهيمنة الأمريكية التقليدية، حيث السيطرة فيها للوبي الإسرائيلي،
العالم ينظر إلى صورة الدولة عبر حاكمها، وصورة أمريكا انكشفت أمام العالم وانتهت في جزيرة إبستين المتخلّف.
من يمنع الظلم، من يعزّ القوي ويذلّ من يستهين بالقيم. هذا الذلّ يكشف تفاهة من ظنّ نفسه فوق القانون والأخلاق.
فإذا كان كبيرهم قابعًا في الذلّ، فكيف يكون حال أتباعه؟
كل الحكّام الأمريكيين والأوروبيين يظهرون مثل الدمى في يد اللوبي الإسرائيلي. الضغوطات تأتيهم من الفيديوهات ووقائع يحفظها عنهم لاستخدامها لاحقا، لتظهر أمام العالم في اللحظة المناسبة كمفاجأة صادمة، تُسقط هيبة أمريكا لتبقى الهيبة لإسرائيل وحدها وهذا ما يخطّطون له مستقبلا.
،؛، فاللوبي الإسرائيلي يمتطي الحمار الأمريكي.،؛،
لطالما وصفت إسرائيل الأعراب بالحمير التي يركبونها وها هي تمتطي اليوم أمريكا.
فالقدرة على الردّ تتطلب شجاعة، والحقيقة تتطلب مواجهة صريحة. وكل محاولة للإنكار أو المقاومة تصطدم بجدار الحقائق المكشوفة، وتفضح الخونة ممن اعتقدوا أنهم فوق المراقبة.

تعليقات
إرسال تعليق