القائمة الرئيسية

الصفحات

نبيل أبوالياسين :شكر أفريقي لـ"قطر" يصطدم بادعاءات أمريكية حول سلام الكونغو












الإخبارية نيوز : 

في لحظة فارقة تبعث الأمل في قلوب الملايين بمنطقة البحيرات العظمى الأفريقية، تتجسد حقيقة صُنع السلام عبر الإرادة الصادقة والوساطة النزيهة. يعبر رئيس رواندا، بول كاغامي، عن تحية إجلال وامتنان عميقين لدولة قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، شاهداً على أن السلام الحقيقي ليس حكراً على القوى العظمى. في تناقض صارخ، يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من مسافة آلاف الأميال، بأسلوبه الدعائي المعتاد، أن ينسب لنفسه فضل "ثامن حرب ينهيها"، في مشهد يفضح الفرق بين الإنجاز الدبلوماسي الواقعي والادعاء السياسي الفارغ.

رواندا تشكر قطر: اعتراف بالحياد المحوري وتجاوز لعقود من الصراع












إن الشكر الذي وجهه الرئيس الرواندي لقطر ليس مجرد لغة دبلوماسية، بل تقدير جوهري لدور محوري ومختلف في نزاع تعود جذوره إلى تداعيات إبادة رواندا عام 1994 والصراع المعقد على الموارد المعدنية الهائلة في شرق الكونغو، والذي ذهب ضحيته نحو 6 ملايين شخص على مدار ثلاثة عقود. تجسد هذا التقدير في التزام الحكومة الكونغولية الكامل بالمسار التفاوضي في الدوحة، حيث وقّعت على "إعلان المبادئ" في يوليو 2025، ثم على "اتفاق الدوحة الإطاري للسلام" مع حركة "23 مارس" في نوفمبر من العام نفسه. أشاد كاغامي صراحة بقطر كوسيط نزيه نجح في توفير منبر حيادي جمع الأطراف المتصارعة، مما مهّد لتسوية تحظى بترحيب مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأفريقي. يؤكد هذا النجاح ما ذكره تقرير لمركز "ستيمسون" بأن دبلوماسية قطر تعتمد على رأس مالها السياسي ومصداقيتها للتحدث إلى كافة الأطراف.

الاستثمار الاستراتيجي في النفوذ: الدوافع الكامنة وراء الدبلوماسية القطرية









يُعد نجاح قطر في هذا الملف امتداداً لاستراتيجيتها الخارجية القائمة على 'الدبلوماسية النشطة' التي عززتها بعد الأزمة الخليجية (2017-2021). يرى الخبراء، كما في تحليل لمجلة "ذا إكونوميست"، أن الوساطة الناجحة في نزاعات معقدة مثل الكونغو تحقق لقطر أهدافاً متعددة: تعزيز صورتها كفاعل للخير العالمي، وبناء رصيد سياسي مع القوى الأفريقية الكبرى يمكن استثماره اقتصادياً في مجالات الطاقة والاستثمارات، وتأكيد استقلاليتها ومرونتها الجيوسياسية على المسرح الدولي. بالتالي، فإن الوساطة ليست مجرد عملاً إنسانياً، بل هي استثمار ذكي في النفوذ على المدى الطويل. ويأتي هذا الدور بالتوازي مع تقارب قطري-أمريكي ملحوظ في ملفات إقليمية أخرى، مما يرسخ موقع الدوحة كشريك دبلوماسي لا غنى عنه.

الرواية الأمريكية: تسييس الإنجاز ومحاولات الاستغلال السياسي








في واشنطن، حاول الرئيس ترامب تقديم الاتفاق على أنه نتيجة مباشرة للفعالية الأمريكية، متجاهلاً الطبيعة التراكمية والمعقدة لجهود السلام. تشير تقارير لـ "فورين بوليسي" إلى أن إدارة ترامب تفضل غالباً "صفقات كبيرة" قابلة للترويج سياسياً على العمل الدبلوماسي طويل الأمد ومتابعة تفاصيل التنفيذ. ورغم اعتراف مساعد وزير الخارجية لشؤون أفريقيا، تيبور ناجي، علناً بالدور "الحاسم" للوساطة القطرية، إلا أن الرغبة في تحقيق "انتصار" إعلامي طغت على الرواية العلنية. يؤكد الخبراء، مثل ديفيد ميليكان من مجلس الأطلسي، أن "السلام الحقيقي يحتاج إلى التتبع اليومي بعد التوقيع، وليس فقط إلى مؤتمر صحفي"، مشيرين إلى أن محاولات تسييس الإنجاز تندرج ضمن مشهد عالمي أوسع لتضارب الروايات وتآكل الثقة في المؤسسات الدولية.









في ختام هذا المشهد الدبلوماسي، يتضح الفارق الشاسع بين الاعتراف الصادق الآتي من قلب إفريقيا لدولة قدمت جهداً نزيهاً، والادعاءات السياسية الصادرة عن البيت الأبيض لتلميع صورة ذاتية. لقد نجحت قطر، بوساطتها الصبورة وحيادها المثبت، في نسج خيوط الثقة بين أطراف أنهكها اليأس. أما محاولات ترامب لتصوير السلام على أنه رقم يضاف إلى سجل شخصي فهي جزء من سلسلة أوسع لتزييف الحقائق ومعارضة الإرادة الدولية. في النهاية، يتحدث السلام الحقيقي بلغة النتائج والاعترافات الصادقة، بينما يبقى الأثر الإنساني العميق لدبلوماسية الجسور هو ما يُخلّد في تاريخ الأمم.

تعليقات