القائمة الرئيسية

الصفحات

الباحث السياسي محمود أبو الحمد يكتب: القرن الإفريقي على صفيح ساخن: كيف يهدد الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال الأمن القومي المصري

الباحث السياسي محمود أبو الحمد يكتب: القرن الإفريقي على صفيح ساخن: كيف يهدد الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال الأمن القومي المصري


لم يكن الاعتراف الإسرائيلي بإقليم «أرض الصومال» خطوة دبلوماسية عابرة، بل تطورًا جيوسياسيًا بالغ الخطورة يعيد طرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الأمن الإقليمي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وهي دوائر تمثل عمقًا استراتيجيًا مباشرًا للأمن القومي المصري. فالقاهرة، بحكم الجغرافيا والتاريخ والمصالح، لا تنظر إلى ما يجري جنوب باب المندب بوصفه شأنًا بعيدًا، بل كجزء لا يتجزأ من معادلة بقاء الدولة واستقرارها الاقتصادي والسياسي.

تكمن خطورة هذه الخطوة في أنها تفتح الباب أمام وجود إسرائيلي سياسي وأمني محتمل على الضفة المقابلة للممر الملاحي الأهم لمصر، حيث يلتقي البحر الأحمر بخليج عدن، وتبدأ رحلة السفن نحو قناة السويس. إن أي نفوذ معادٍ أو منافس في هذه النقطة الحساسة يعني قدرة غير مباشرة على الضغط على أحد أهم مصادر الدخل القومي المصري، ليس بالضرورة عبر المواجهة المباشرة، بل من خلال خلق بيئة إقليمية مضطربة قابلة للاشتعال في أي لحظة.

ولا يمكن فصل هذا التطور عن ملف سد النهضة، فإقليم أرض الصومال يرتبط جغرافيًا وسياسيًا بإثيوبيا، التي تعد الداعم الأبرز له. ومن ثم فإن إدخال إسرائيل على هذا الخط يمنح أديس أبابا هامش مناورة أوسع، سواء عبر الدعم التقني أو الغطاء السياسي غير المعلن، وهو ما يعقّد المشهد التفاوضي ويطيل أمد الصراع حول مياه النيل، دون أن تتحمل أي من الأطراف الداعمة كلفة مباشرة.

الأخطر من ذلك أن الاعتراف بإقليم انفصالي يضرب أحد الأعمدة الرئيسية للنظام الدولي، وهو احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها. هذه السابقة، إذا ما تم تمريرها أو تطبيعها، قد تتحول إلى نموذج قابل للتكرار في دول هشة أخرى داخل إفريقيا والعالم العربي، بما يفتح الباب أمام فوضى جغرافية تهدد استقرار الإقليم بأكمله، وتضع مصر في مواجهة محيط إقليمي غير مستقر على امتداد حدودها الاستراتيجية.

كما أن هذه الخطوة تأتي في سياق إضعاف العمل العربي والإفريقي المشترك، إذ تخلق تحالفات خارج الأطر التقليدية، وتعيد تشكيل شبكة المصالح في القرن الإفريقي بعيدًا عن التأثير المصري التاريخي هناك. وهو ما يفرض على القاهرة إعادة تنشيط أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية للحفاظ على دورها القيادي في القارة.

في المحصلة، لا يتمثل الخطر على الدولة المصرية في الاعتراف ذاته، بل في التراكمات التي قد تليه: تواجد إسرائيلي قريب من باب المندب، توسيع نطاق الصراع في البحر الأحمر، تعقيد ملف سد النهضة، ومحاولات إعادة رسم خرائط النفوذ في منطقة تمثل خط الدفاع الأول عن قناة السويس.

ومن هنا، فإن تعامل مصر الهادئ والمتزن مع هذا الملف يعكس إدراكًا عميقًا لطبيعته، باعتباره معركة نفوذ طويلة النفس، تتطلب صبرًا استراتيجيًا، وتحالفات ذكية، وحضورًا قويًا في إفريقيا، لا ردود أفعال انفعالية. فالمعادلة واضحة: من يسيطر على مفاتيح القرن الإفريقي، يملك القدرة على التأثير في أمن البحر الأحمر، ومن يؤثر في البحر الأحمر، يقترب مباشرة من قلب الأمن القومي المصري.

تعليقات