أثارت تصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، التي زعم فيها أن إسرائيل تسيطر سيطرة كاملة على أجواء منطقة الشرق الأوسط، جدلًا واسعًا وتساؤلات عميقة حول مدى دقة هذا الادعاء، وما إذا كان يعكس واقعًا عسكريًا حقيقيًا أم أنه يندرج في إطار الخطاب السياسي الموجه لأهداف داخلية وخارجية. فمثل هذه التصريحات، في منطقة شديدة التعقيد كمنطقة الشرق الأوسط، لا يمكن فصلها عن السياق الاستراتيجي العام ولا عن طبيعة الصراع القائم وتوازنات القوة الإقليمية والدولية.
من الناحية العسكرية، لا شك أن دولة الاحتلال تمتلك سلاحًا جويًا متقدمًا من حيث التكنولوجيا والتدريب والتسليح، مستفيدة من دعم غربي واسع، وعلى رأسه الدعم الأمريكي، سواء في مجالات التسليح أو تبادل المعلومات الاستخباراتية. هذا التفوق النسبي مكّن إسرائيل خلال سنوات طويلة من تنفيذ عمليات جوية خارج حدودها، خصوصًا في الساحة السورية، دون أن تواجه ردعًا جويًا مباشرًا وحاسمًا، وهو ما عزز لدى قيادتها شعورًا بالقدرة على الحركة الجوية شبه المطلقة في نطاقات محددة.
إلا أن الانتقال من مفهوم التفوق الجوي في مسارح عمليات معينة إلى الادعاء بالسيطرة الكاملة على أجواء الشرق الأوسط يمثل قفزة سياسية أكثر منها عسكرية. فالشرق الأوسط ليس مجالًا جويًا واحدًا خاضعًا لسلطة واحدة، بل فضاء واسع يضم دولًا ذات سيادة كاملة، وجيوشًا نظامية تمتلك بدورها قدرات جوية ودفاعية متفاوتة، فضلًا عن وجود قوى دولية كبرى تنتشر قواعدها الجوية والبحرية في أكثر من دولة، وهو ما يجعل أي حديث عن سيطرة مطلقة أمرًا يتناقض مع الواقع الجيوسياسي.
كما أن تطور أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي لدى عدد من دول المنطقة، إلى جانب تصاعد دور الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، قلّص من فكرة الهيمنة الجوية المطلقة التي سادت في مراحل سابقة. فالحروب الحديثة لم تعد تُحسم فقط عبر السيطرة على السماء، بل باتت معادلة الردع أكثر تعقيدًا وتشمل أدوات غير تقليدية قادرة على اختراق التفوق الجوي أو تحييده جزئيًا.
سياسيًا، تعكس تصريحات نتنياهو رغبة واضحة في إعادة ترميم صورة الردع الإسرائيلي التي تعرضت لهزات كبيرة في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تعدد الجبهات والضغوط الداخلية التي يواجهها على المستويين القضائي والسياسي. ومن هنا، يصبح الخطاب المتعلق بالهيمنة الجوية جزءًا من محاولة فرض سردية القوة المطلقة، سواء لطمأنة الداخل الإسرائيلي أو لتوجيه رسائل ردع إلى الخصوم الإقليميين، وعلى رأسهم إيران ومحور المقاومة.
يمكن القول إن دولة الاحتلال تمتلك تفوقًا جويًا مهمًا ومؤثرًا في بعض ساحات الصراع، لكنها لا تسيطر، ولا يمكن أن تسيطر، على أجواء الشرق الأوسط ككل. فالتوازنات الإقليمية، وتشابك المصالح الدولية، وتعدد مراكز القوة العسكرية، تجعل من مثل هذا الادعاء أقرب إلى المبالغة السياسية منه إلى الحقيقة الاستراتيجية. ويبقى الواقع أن أجواء الشرق الأوسط، شأنها شأن المنطقة بأكملها، تخضع لصراع نفوذ معقد لا تحسمه دولة واحدة ولا يختزل في سلاح واحد، مهما بلغت درجة تطوره.

تعليقات
إرسال تعليق