القائمة الرئيسية

الصفحات

نبيل أبوالياسين : « باريس وموسكو» صحوة الدبلوماسية تفضح "وهم" استعراض التلفاز












الإخبارية نيوز : 

في لحظة تاريخية يلفها "التيه الاستراتيجي"، انبثقت صحوة سيادية من الإليزيه عبر دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون لحوار هيكلي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء نزيف الأزمة الأوكرانية؛ وهي المبادرة التي لاقت استجابة فورية من الكرملين لتعكس توجهاً نحو الحلول الواقعية بعيداً عن الارتهان الأوروبي لهوس التمويل العسكري المستمر. وفي المقابل، يظل المشهد الدولي مكبلاً بإصرار دونالد ترامب على تقمص دور "صانع السلام الأوحد"، مدفوعاً بشغف الظهور الفضائي وسياسته الشعبوية المنفصلة عن تعقيدات الميدان الدامي. وفي هذا المعترك، يطرح الحقوقي والمحلل البارز نبيل أبوالياسين رؤية سياسية استثنائية تمثل مساراً حقيقياً لإنهاء الصراع؛ ترتكز على الاستقلال الاستراتيجي والعدالة الدولية، وتتصدى لمتاجرة "المافيا الدولية" بمصائر الشعوب ومسرحيات واشنطن التلفزيونية، لتعيد فرض منطق السيادة والعقل على طاولة التفاوض العالمي.


ماكرون: صحوة متأخرة لاستعادة البوصلة الأوروبية 








شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حتمية استئناف الحوار المباشر مع موسكو خلال الأسابيع المقبلة، معتبراً إياه مساراً "ضرورياً" للأمن القومي للقارة. وأوضح ماكرون أن هذا التحول ليس مناورة تكتيكية، بل ضرورة وجودية لمنع انفراد الإدارة الأمريكية بصياغة الهندسة الأمنية لأوروبا، مؤكداً أن المصلحة المشتركة تقتضي تفعيل أطر عمل واقعية لإعادة الانخراط الدبلوماسي. وحذر من أن الانغماس في الدعم العسكري المطلق دون رؤية سياسية قد ينتهي بالأوروبيين ضحايا لـ"صفقة" أمريكية-روسية مفاجئة، تضحي بالمصالح الأوروبية الحيوية من أجل حسابات انتخابية ضيقة في واشنطن.


بوتين يستجيب: اللعب على التناقضات وكسر الجبهة 








جاء رد الكرملين سريعاً بإعلان استعداد الرئيس بوتين للحوار المباشر مع باريس، في خطوة قرأها الخبراء كاختراق استراتيجي للتناقضات الغربية. وأكد المتحدث الرئاسي دميتري بيسكوف ترحيب موسكو بالدعوة الفرنسية، مشيراً إلى انفتاح بوتين الدائم على الحلول التفاوضية. ويرى المحللون أن موسكو تدرك ثقل فرنسا كقوة نووية محورية في الاتحاد الأوروبي، مما يجعل الحوار معها مدخلاً لتفكيك "الإجماع الغربي" القسري، وإبراز التباين بين أوروبا الباحثة عن الاستقرار وأمريكا المنشغلة باستعراضات القوة، ما يعزز فرص الوصول لصفقة واقعية وشاملة.


القلق الأوروبي: بين هوس التمويل والخوف من ترامب



 

وفي قراءة نقدية للمناخ السياسي الأوروبي، لفت دميتري بيسكوف إلى أن أولوية القادة في بروكسل باتت تتركز في "هوس البحث عن تمويل" لإطالة أمد المواجهة، وهو ما يتجلى في الجدل حول مصادرة الأصول الروسية. وأوضح أن هذا المسلك المالي المتشنج يعوق أي مساهمة إيجابية في التسوية السلمية، ويكشف عن صدع عميق داخل الاتحاد الأوروبي؛ حيث تندفع دول البلطيق وبولندا نحو التصعيد تحت ذريعة منع "الخيانة"، بينما تضغط برلين وباريس نحو خيارات دبلوماسية شجاعة لكسر حالة الانسداد الميداني والسياسي.


ترامب واستراتيجية "الشاشة الواحدة": الانفصال عن الواقع 








بينما تتحسس أوروبا طريقها الدبلوماسي، تتحرك إدارة ترامب بذهنية "العرض الواحد". وحسب تقارير الاستخبارات الروسية، فإن واشنطن تدرك حتمية الهزيمة الأوكرانية وتبحث عن مخارج عبر "خطة ترامب للسلام". إلا أن المحلل نبيل أبوالياسين فكك هذه الخطة باعتبارها جزءاً من "دبلوماسية الكاميرات"، حيث يطارد ترامب لقطة تاريخية مع بوتين تمنحه زخماً شعبوياً، متجاهلاً التعقيدات الأمنية المتجذرة كمستقبل الناتو والحدود السيادية. وأكد أبوالياسين أن هذا النهج "الاستعراضي" يفتقر للعمق الاستراتيجي ويقامر بالأمن العالمي من أجل مكاسب إعلامية عابرة.


رؤية أبوالياسين: مبادرة السيادة لإنقاذ الاستقرار العالمي



 انطلاقاً من هذا الفراغ القيادي، صاغ الباحث نبيل أبوالياسين رؤية شاملة ترى في "انفتاح ماكرون واستجابة بوتين" لحظة ذهبية لانتزاع الملف من الاحتكار الترامبي. وطرح مبادرة "الاستقلال الاستراتيجي والشركاء التاريخيين" لتشكيل تكتل (عربي-أوروبي) وازن. وتقوم المبادرة على ثلاثة ركائز: كسر أحادية الوساطة الأمريكية عبر حوار أوروبي-روسي مباشر، وتفعيل ضمانات أمنية متبادلة تحمي الكيانات الوطنية (كما في الملف السوداني)، وتأسيس "نادي السيادة" لتحصين الدول ضد تدخلات "المافيا الدولية" التي تقتات على بؤر التوتر.


العرب كفاعل رئيسي: مفتاح الحل في زمن التيه




 

أبرز أبوالياسين الدور المحوري للدول العربية ذات الثقل، كالقاهرة والرياض، في صياغة المعادلة الدولية الجديدة. وأوضح أن القادة العرب هم الطرف الأكثر توازناً وموثوقية لدى موسكو وباريس، والأكثر تضرراً من تقلبات السياسة الأمريكية الارتجالية. إن انخراط العرب في هذه المبادرة سيعيد الاعتبار لفاعلية العمل المشترك ويمنع تحول الإقليم إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية. وشدد على أن حماية الأمن القومي العربي "خط أحمر" لا يجوز أن يدرج ضمن بورصة الصفقات التلفزيونية في واشنطن.


دعوة للتحوّل الدبلوماسي الهادئ








واختتم نبيل أبوالياسين بيانه بنداء ملحّ للعقل والمسؤولية القومية، مؤكداً ضرورة التدشين لـ"تحول دبلوماسي" رصين يرفض ارتهان مصائر الأمم لـ"ترند" إعلامي أو مزاج سياسي متذبذب. واعتبر أن شق جدار الوهم بين بوتين وماكرون يجب أن يتسع بجهد جماعي، رافضاً صناعة "سلام معلب" في استوديوهات واشنطن بينما تُهدر دماء الشعوب كوقود للعرض. إن السلام المستدام يُصاغ في غرف العمليات الاستراتيجية في القاهرة والرياض وبرلين، بأيدي قادة يدركون كلفة الحرب، لا بأيدي الباحثين عن جوائز الإخراج. إن السيادة تُصنع بالإرادة الجمعية، والتاريخ سيخلد من حمل بوصلة المصلحة الوطنية وسط رياح التيه، بينما سيطوي النسيان من رقصوا على أنقاض الدول طلباً لبريق الكاميرات.

تعليقات