بقلم د شيرين العدوي
هل جربت اللعب مع تنين حقيقى؟! أن تحاول الفكاك، ثم لا تجد بدّا من الاستسلام فتستسلم!. هكذا يأخذنا اللواء أ.ح. د.أحمد البديوى فى رحلة مع دولة الصين فى كتابه الممتع «2049 عام هيمنة التنين». ولقب التنين له رمزيته فى الوجدان الصينى حيث يمثل لديهم: الحظ السعيد، والقوة والحكمة، والذكورة. كما يرتبط بالسلطة حيث اعتبر الأباطرة أنفسهم «أبناء التنين». لقد طرح د.البديوى طرحا قويا لمفهوم السيطرة والهيمنة الصينية لنشاركه لعبة الحضارة، وإنها لَلعبة جدّ طويلة شاقة.
فعبر العصور تصعد حضارات وتندثر أخرى. وقيامها يتوقف على أربعة عوامل أساسية طبقا لما أورده ابن خلدون فى «مقدمته»، وأرنولد توينبى فى كتابه «دراسة للتاريخ» وغيرهما وهى:
1- العامل الجغرافى والبيئي: ويتوافر لدى الصين فى معادنها النادرة؛ حيث تعتمد الولايات المتحدة على واردات المعادن النادرة من الصين بنسبة 72% تستخدمها فى صناعات مهمة كالبطاريات والمغناطيسيات العالية الكفاءة، والمحولات الحفّازة. فأى خلل فى ميزان الاستيراد من الصين سيشل حركة الصناعة فى أمريكا. كما أن الصين فطنت لممرها الطبيعى السحرى «بحر الصين» الذى يربطها بجنوب شرق آسيا والهند؛ ثم أوروبا؛ حيث يحمل ثقل الاقتصاد العالمى السياسى، وهو معبر لنحو ثلث حركة الشحن البحرى العالمى بقيمة سنوية تقدر بـ 3.3 ترليون دولار سنويا مؤمنا للصين 80% من واردات الطاقة لديها. وتحت أمواجه 30 مليار طن من النفط، و190 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى، ورغم أن ست دول تتنازعنه فإن الصين لعبت بذكاء فمزجت النفوذ الناعم عبر التجارة بالضغط عبر الاستثمار والبنى التحتية للسيطرة.
2- العامل الاقتصادى (فائض الإنتاج): فالصين تمثل 32% من حجم الإنتاج الصناعى فى العالم، ففى عام 2025 حتى شهر نوفمبر الماضى فقط تجاوزت حاجز التريليون دولار فعليا؛ حيث بلغ فائضها الإنتاجى 1.08 تريليون دولار.
3- العامل السياسى والاجتماعي: واستجابت فيه الصين لنظرية "التحدى والاستجابة" عند توينبى، ففى سنة 1949م بعد نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945م أعلن ماوتسى تونغ؛ أن قرن العار الصينى(الإذلال) قد انتهى؛ وذلك بعد انتصار حزبه الشيوعى على الحزب الحاكم. واستجابت الصين وشعبها لتحدى هيمنة أمريكا بابتكار نموذج اقتصادى خاص بها (رأسمالى) كما أنها صهرت كل القوى الاجتماعية فى نموذج واحد طبقا لنظرية العصبية القبلية عند ابن خلدون. فهى تمثل الربيع أو الشباب المتجدد الذى يتحدى خريف الغرب. وكان سلاحها الجيوسياسى لتعميق روابطها الخارجية وعصبيتها مشروع الحزام والطريق.
4- العامل الفكرى والروحي: الصين دولة ذات حضارة وفكر ضاربة فى جذور التاريخ وساد فكرها من قبل.
إن الكتاب يحمل من عتبته لخاتمته مجموعة من الأسئلة وبينها شفرات تشير لزحف التنين بهدوء وتخطيط وكأنه طائر العنقاء ولد من رماد احتراقه، هكذا الدول لو أرادت. لقد بدأ اللواء البديوى بسؤال الغلاف هل رفعت حرب أوكرانيا الصين على عرش العالم؟ وختم بسؤال وماذا عنا نحن؟! إنه كتاب مهم فى تجارب الأمم صدر مؤخرا عن دار نشر سما، مصهورا بنار التجربة، مصقولا بالخبرة الحربية، وموثقا بالمصادر والمراجع. سيكون بين أيديكم فى معرض القاهرة الدولى للكتاب. أما عن كيف قوض التنين العالم؟! فللحديث بقية.
المصدر : مؤسسة الأهرام المصرية

تعليقات
إرسال تعليق