القائمة الرئيسية

الصفحات

حين يبتسم الوجع في وجه الحياة



بقلم/نشأت البسيوني 


ثمة وجع لا يرى يختبئ خلف ابتسامة متعمدة ترسم على الشفاه كأنها درع من نور يخفي خلفه عتمة حالكة وجع يقطف من القلب نبضاته بهدوء ولا يفصح عن نفسه لأن صاحبه أرقى من أن يلقي بثقل ألمه على كاهل من يحب ذلك الوجع الذي يجلس في أعماق النفس صامتا لا يشتكي لا يثور فقط يوجع في صمت نبيل


تراه بين الناس يضحك بصوت عال يمازحهم وكأنه أكثرهم سعادة لكن عينيه آه من عينيه تحملان حزنا غائرا لا يخفى على من تأمل بصدق يضحك كي لا يبكي أحدا ويبتسم كي لا يشفق عليه أحد ويجامل كي لا يظنوا أنه انهزم هو يعلم أن الشكوى توجع من يسمعها وأن الحقيقة لو نطقت لكسرت قلوبا بريئة لا ذنب لها إلا أنها أحبته


إنه ذاك النوع من البشر الذي يتقن الصمت أكثر مما يتقن الكلام الذي يفضل أن يمزق من الداخل على أن يجرح بكلمة الخارجين إليه يحمل على كتفيه وجعا لا يرى بالعين لكنه يثقل الروح حتى تكاد تنهار كلما هم أن يبوح خنقته الغصة وتذكر أنهم ربما لا يفهمونه أو ربما يسيئون الظن بدموعه فيختار أن يصمت مرة أخرى ويدفن وجعه بين أضلعه كما يدفن السر في صدر أمين


وفي الليل حين ينام الجميع يخلع ضحكته كما يخلع قناعا أجبر على ارتدائه نهارا يترك لدموعه الحرية التي حرمها منها طوال اليوم يحدث نفسه بصوت مبحوح ويسألها إلى متى إلى متى سأظل أضحك كي لا ينهاروا إلى متى سأقنعهم أني بخير وأنا أتآكل في صمت


لكن رغم كل ذلك يملك هذا الإنسان الجميل قلبا لا يعرف الكره ولا يتقن الرد بالوجع على الوجع يظل يعطي حبا ويمنح دفئا ويطفئ نار الآخرين وهو محترق يظل يقول لنفسه ما داموا بخير فلا بأس بي

وهكذا يمضي مبتسما رغم كل العواصف التي تعصف داخله صامدا رغم الخذلان رقيقا رغم القسوة التي نالها


هو ليس ضعيفا كما يظن البعض بل قوي إلى حد مؤلم قوي لأنه يخفي وجعه ليحمي قلوب الآخرين لأن طيبته لا تسمح له أن يرد الألم بالألم هو الموجوع النبيل الذي يختار الصمت احتراما والابتسامة رحمة والحب رغم كل شيء


وفي النهاية حين ينام الناس على ضجيج ضحكاته ينام هو على صمت موجع يشبه البكاء لكنه يعرف في قرارة نفسه أن الله وحده يعلم بما في قلبه وأن هذا الصبر الطويل يوما ما سيزهر راحة وسكينة تنسي كل ألم دفنه بصبر وجمال


فيا من تتألم بصمت لا تظن أن صمتك يضيعك فالله يسمع أنين قلبك قبل أن يخرج من فمك ويرى حزنك خلف ابتسامتك وسيأتي اليوم الذي يراك فيه الجميع كما أنت لا ذاك الذي يضحك ليخفي وجعه بل ذاك الذي انتصر على الوجع بابتسامة صادقة ووجه من نور

تعليقات