بقلم/نشأت البسيوني
في زمن تتسارع فيه الخطى وتضج الأرواح بالضجيج وتغدو الأيام كأنها سباق لا نهاية له يتردد السؤال في أروقة القلوب قبل أن يخرج إلى ألسنة البشر هل من منافس
سؤال يلقيه الطموح من شرفة الكبرياء في وجه كل من يجرؤ على الوقوف في ميدان الحياة كأنه نداء معركة لا تدار بالسيوف بل بالعزيمة والصبر والإصرار على المضي قدما ولو كان الطريق موحشا والمجد بعيدا والسماء غائمة بألف خيبة
كم من إنسان ظن أنه الأقوى فخذلته أنفاسه في منتصف الطريق وكم من روح ظنها الناس واهنة فإذا بها تنهض من رمادها كطائر جريح تعلم الطيران من وجعه
المنافسة الحقيقية ليست في صراع الآخرين بل في معركة خفية تقام بين المرء ونفسه بين ما كان عليه بالأمس وما يريد أن يكون عليه اليوم بين ضعفه الذي يحاول أن يسقطه وقوته التي تحاول أن تنقذه
هل من منافس
سؤال لا يوجه إلى الناس بل إلى الذات فالميدان الحقيقي ليس في الأسواق ولا في ساحات الشهرة بل في قلبك الذي يعرف كم خذلت نفسك وكم نهضت كم بكيت سرا ثم ابتسمت علنا كم خنت أحلامك ثم عدت لترممها كمن يعيد بناء وطن مهدم بالحب والصبر
العالم اليوم مليء بالمتشابهين كأنهم نسخ مكررة من فكر واحد وثوب واحد وصوت واحد لكن القليل فقط هم من يجرؤون على الاختلاف على أن يقولوا أنا لست كأحد منكم هؤلاء لا ينافسون أحدا لأنهم أدركوا أن التفوق الحقيقي أن تكون ذاتك أن تكون مرآتك صادقة لا تزين عيوبك ولا تقزم عظمتك
وفي زمن يركض فيه الناس خلف المظاهر يصبح الثبات على المبدأ بطولة والإخلاص في العمل تفوقا والصدق في القول شجاعة فليكن سؤالك إذن لا هل من منافس لي بل هل ما زلت أستحق أن أنافس نفسي القديمة
فكم من إنسان هزمه كبرياؤه حين غفل عن ذاته وظن أن المجد يورث بالحديث لا بالجهد وبالشهرة لا بالنية وبالصوت العالي لا بالفعل الصادق
هل من منافس
سؤال يحيي في النفس جذوة التحدي حين يخبو الأمل ويوقظ في القلب صهيل الطموح حين يثقله التعب إنه النداء الذي يناديك كلما هممت أن تنطفئ يقول لك لا تستسلم ما زال فيك ما لم تكتشفه بعد ما زال فيك شغف لم يولد ونجاح ينتظر أن تمد إليه يد الإصرار
المنافسة ليست حربا لتسقط غيرك بل ساحة لتثبت أنك قادر على أن تتجاوز نفسك أن تسبق ظلالك أن تعيد رسم حدودك في كل مرة تحاول فيها الحياة أن تكسرك فالمجد لا يبتسم للمتغطرسين بل للعاملين بصمت للذين يحسنون البناء في الظل حتى إذا جاء الفجر أشرقت أعمالهم دون ضجيج
وفي النهاية سيبقى السؤال يتردد في أفق الأيام كأغنية لا تموت
هل من منافس
وسيبقى الجواب الصادق الوحيد هو ما تهمس به روحك حين تنظر في مرآة الصباح وترى في عينيك شغفا لم يخمد بعد وإصرارا لا يرضى أن يقارن بغير ذاته
فلتكن أنت المنافس والميدان أنت والغاية أنت
أما الباقون فسيبقون خلفك يتهامسون من هذا الذي سبق الجميع
هل من منافس
نعم أنت

تعليقات
إرسال تعليق