بقلم/نشأت البسيوني
يا لوقع الرحيل حين يأتي من الذين ظنناهم وطنا
من أولئك الذين لم نتخيلهم يوما خارج تفاصيلنا
من الذين كنا نراهم آخر ملاذ وأول فرح
من الذين بنينا على وجودهم معنى البقاء
فإذا بهم يغادرون كأنهم لم يمروا
وكأننا لم نحملهم في صدورنا يوما بكل هذا الحب
حين يرحل من ظنناه لا يرحل
ينكسر في القلب شيء لا يصلح
كأن الروح تفقد توازنها
والأيام تفقد طعمها
والعالم من حولنا يصير رماديا بلا حياة
نحاول أن نقنع أنفسنا أن الأمر بسيط
أننا سننسى
أن الوقت كفيل بأن يرممنا
لكننا نعلم في أعماقنا
أن هناك فراغا لا يملأ
وجرحا لا يشفى
ذلك الرحيل ليس مجرد فراق
بل زلزال صغير يهدم فينا ما كان قائما من الطمأنينة
يعيد ترتيب ذاكرتنا بالقوة
ويجعلنا نعيد النظر في معنى الوجود نفسه
نكتشف أن بعض الأشخاص كانوا بمثابة الضوء
وحين رحلوا دخلنا في عتمة لا نعرف كيف نخرج منها
ننظر إلى الأماكن التي جمعتنا بهم
فتغدو كلها شاهدة على الغياب
الضحكات تصبح صدى باهتا
والذكريات تتحول إلى ألم جميل
ألم ندمنه لأننا لا نريد أن ننسى
حين يرحل من ظنناه لا يرحل
ندرك أن الوعود لا تملك أجنحة
وأن الحب مهما كان نقيا لا يمنع الفراق
وأن القلب الذي يعطي أكثر مما ينبغي
هو أول من يدفع الثمن
نحاول أن نتظاهر بالقوة
أن نبتسم أن نمارس الحياة كأن شيئا لم يكن
لكننا في لحظات الوحدة نعود إلى ذلك الحنين
نعيد قراءة الرسائل القديمة
نسمع الأغاني التي كانوا يحبونها
ونتساءل بخوف ودهشة
كيف استطاعوا الرحيل ونحن ما زلنا هنا
لكن شيئا فشيئا
تبدأ الروح في الترميم من جديد
تتعلم أن لا شيء يبقى
وأن من رحل أخذ معه ما يخصه فقط
وبقي فينا ما يجب أن يبقى الذاكرة والعبرة
حين يرحل من ظنناه لا يرحل
نفهم أن الحب لا يموت
لكنه يتبدل شكله في القلب
يصبح صمتا بعد ضجيج
ونورا بعد ألم
ويعلمنا أن نحب بوعي
لا باندفاع يكسرنا
وربما في يوم ما
حين نلتقي وجوها جديدة
نبتسم دون وجع
ونقول بهدوء لا يخلو من الحنين
لقد رحلوا لكنهم تركوا فينا أثرا لا يمحى

تعليقات
إرسال تعليق