بقلم/نشأت البسيوني
في لحظة ما يختفي كل صوت في الحياة إلا صوت القلب يحدثك عن ما لا يقال ويقودك إلى ما لا يرى
هناك لحظات يقف فيها الإنسان على حافة الصمت لا يدري أهو ينتظر شيئا أم أنه تعب من الانتظار
يتوقف الزمن للحظة قصيرة ويغدو القلب وحده الناطق باسم الوجود كأنه الناجي الأخير من عاصفة أسقطت كل شيء من حوله
في تلك اللحظة لا يكون القدر قاسيا بل حكيما إلى حد يجعلنا نظنه صامتا بينما هو يكتب بصمته فصولا جديدة من أعمارنا لا نراها بعد
حين يصمت القدر ويتكلم القلب تعاد صياغة المعاني كلها
فلا يعود الفقد نهاية ولا الألم خصما ولا الفراق موتا
كل ما كسر فيك يصبح مدخلا لضياء جديد وكل ما رحل عنك كان تمهيدا لشيء أجمل سيأتي ولو بعد حين
تتبدل الرؤية وتتعلم أن الله لا يسلبك إلا ما لم يكن لك ولا يؤخر إلا ما لم يحن أوانه بعد
هناك صمت يربك وصمت ينقذك
الصمت الأول يوجعك لأنك لا تفهمه والثاني ينقذك لأنك سلمت به
وما بينهما تتأرجح روحك بين خوف من المجهول وإيمان خافت بأن القدر لا يخذل من أحسن الظن
ففي أوج العتمة يتكلم القلب لا بالكلمات بل بالإشارات التي لا يلتقطها إلا من ذاق الخسارات وصبر
يتكلم القلب حين تسقط الأقنعة حين تتلاشى الأصوات من حولك وحين تدرك أن الطريق الذي ظننته نهاية كان بداية أخرى ترسم لك بهدوء
يتكلم القلب ليقول لك اهدأ كل ما فقدته كان عبورا وكل ما سيأتيك سيكون إقامة
يحدثك عن الطمأنينة التي لا تحتاج إلى تفسير وعن السلام الذي يولد من التسليم لا من الفهم
حين يصمت القدر ويتكلم القلب تفهم أن الإجابات ليست دائما في الخارج
فأحيانا تحتاج أن تصغي إلى الداخل إلى تلك الهمسة التي تقول سيمر هذا أيضا
فليس كل تأخير ظلما ولا كل ألم عقابا إنما هي رسائل ترسلها الحياة لمن كان قلبه مفتوحا للسماع
يتكلم القلب بصوت لا يسمعه إلا من عرف وجع الانتظار وخيبة الظن وخسارة الأحبة
يحدثك عن الذين رحلوا دون وداع وعن الذين بقوا في القلب رغم المسافة وعن أولئك الذين كانوا درسا لا ندما
يحدثك عن الله عن رحمته التي لا ترى وعدله الذي يتجلى حين تظن أنك تركت وحيدا
فإذا بك تكتشف أن الصمت الذي خنقك كان حماية من ضوضاء كنت ستغرق فيها
حين يصمت القدر ويتكلم القلب تنضج الروح ويكبر الوعي وتزول تلك الحاجة المحمومة لشرح كل ما يحدث
تتعلم أن ما كتب لك سيأتيك مهما ابتعد وما لم يكتب لن تناله ولو اجتهدت
وتتعلم أن الصبر ليس ضعفا بل ثقة وأن الانتظار ليس عجزا بل يقين بأن المواعيد الإلهية لا تخطئ
في صمت القدر هناك حكمة لا تقال
وفي حديث القلب هناك صدق لا يكذب
وبينهما يقف الإنسان متأرجحا بين وجعه وإيمانه بين خوفه ورجائه بين منطق الأرض وسر السماء
وما أجمل أن تسلم نفسك لذلك الصمت مطمئنا أن ما كتب الله لك لن يضل طريقه إليك أبدا
فحين يصمت القدر ويتكلم القلب لا تبحث عن تفسير لكل ما حدث بل ابحث عن معنى لما بقي فيك بعد كل ما حدث
لأن البقاء بعد العواصف ليس صدفة بل رسالة
رسالة تقول لقد نجوت فاحمد الله واستمع فالقلب لا يخطئ حين يتكلم

تعليقات
إرسال تعليق