القائمة الرئيسية

الصفحات

الباحث السياسي محمود أبو الحمد يكتب: إسرائيل تُشرّع الموت... قانون إعدام الأسرى خطوة نحو الفاشية القانونية

 

الباحث السياسي محمود أبو الحمد يكتب:  إسرائيل تُشرّع الموت... قانون إعدام الأسرى خطوة نحو الفاشية القانونية



في مشهدٍ يعكس تحوّلًا خطيرًا في مسار السياسة الإسرائيلية، صادق الكنيست بالقراءة الأولى على مشروع قانون يتيح فرض عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين، في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيدًا غير مسبوق في التعامل مع القضية الفلسطينية، وتحولًا في العقلية القانونية نحو شرعنة الانتقام تحت غطاء القانون.


هذا المشروع الذي تقدّمت به قوى اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسها حزب القوة اليهودية بزعامة إيتمار بن غفير، لا يمكن فصله عن المناخ السياسي المتوتر داخل إسرائيل، ولا عن سعي الحكومة الحالية لتثبيت صورتها كسلطة قادرة على الردع والانتقام بعد تصاعد العمليات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية.


الخطير في هذا التشريع أنه يستهدف الفلسطينيين وحدهم، فالنص لا يشمل اليهود الذين قد يرتكبون جرائم قتل ضد الفلسطينيين، وهو ما يجعل القانون يحمل في جوهره تمييزًا عنصريًا واضحًا ويكرّس ازدواجية المعايير التي لطالما اتُّهم بها النظام القضائي الإسرائيلي. إنه ببساطة قانون للقتل باسم القانون، ووجه آخر لعقيدة الاحتلال التي ترى في الفلسطيني تهديدًا دائمًا حتى وهو أسير.


القانون يأتي في توقيت حساس، حيث تعيش إسرائيل أزمة داخلية خانقة بسبب الخلافات حول إصلاح النظام القضائي والاحتجاجات الواسعة ضد حكومة نتنياهو، لذلك يرى محللون أن تمرير هذا القانون يخدم أهدافًا سياسية داخلية إذ يمنح اليمين المتشدد ورقة ضغط على الرأي العام ويحوّل الأنظار عن الأزمات الداخلية باستخدام الدم الفلسطيني كوقود للدعاية السياسية.


من الناحية القانونية والإنسانية يتعارض المشروع مع أبسط قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تحظر الإعدامات السياسية بحق الأسرى والمحتجزين في مناطق النزاع، كما يعيد إلى الأذهان عصور العدالة الانتقامية حيث يتحوّل القضاء إلى أداة بيد السياسة لا لتحقيق العدالة.


بهذا المشروع تُعلن إسرائيل عن مرحلة جديدة من الفاشية القانونية، حيث يُحوَّل الغضب والكراهية إلى نصوص تشريعية تشرّع القتل وتصادر حق الإنسان في الحياة. إنها ليست خطوة قانونية بقدر ما هي تحول فكري وأخلاقي خطير يهدد بانفجار جديد في المنطقة. فحين يتحوّل القانون إلى أداة للانتقام، تسقط العدالة، وتفقد الدولة آخر ملامح إنسانيتها.


أن مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين يكشف بوضوح عن توجه خطير داخل المؤسسة الإسرائيلية نحو عسكرة القانون وتسييس العدالة، وهو ما يعكس حالة ارتباك داخلي وضعف سياسي تحاول الحكومة تعويضه عبر تصعيد عدواني ضد الفلسطينيين. ويؤكد أن هذا القانون ليس مجرد إجراء عقابي، بل هو رسالة سياسية موجهة للعالم بأن إسرائيل ماضية في انتهاك القانون الدولي دون اكتراث، كما أنه محاولة لتثبيت واقع جديد تُصبح فيه حياة الفلسطينيين رهينة لقرارات سياسية متطرفة. و أن تمرير هذا القانون سيعمّق من دوامة العنف والتوتر في المنطقة، ويغلق أي أفق للحلول السياسية، لأنه يُسقط آخر ما تبقى من ادعاءات إسرائيل بالديمقراطية، ويُظهرها كدولة تسير بخطى سريعة نحو الفاشية القانونية والتمييز العنصري المقنّن.

تعليقات