القائمة الرئيسية

الصفحات

خلف جدار الصمت تركت قلبي ينهار حتى اختفى - بوابة الأخبارية نيوز

 خلف جدار الصمت تركت قلبي ينهار حتى اختفى

بقلم : نشأت البسيوني
لم أكن أظن أن القلب يستطيع أن ينطفئ كما تنطفئ شمعة أكلها السهر ولا أن يتهاوى كما تتهاوى البيوت القديمة حين يخونها الزمن لكني رأيته يسقط أمامي ببطء موجع كأنه يعترف أخيرا بأن الجراح تفوقت عليه وأن الطريق الطويل الذي خاضه مثقلا بالثقة والصدق كان طريقا نحو نهايته لا نجاته
لم يكن الموت مفاجئا بل كان سلسلة من الانكسارات التي تبعتها صمتات أطول من قدرتي على الفهم خيبة تتلوها خيبة ووجه يرحل بعدما وعد وكلمة تقال بلا روح ونبض يساء استخدامه حتى فقد إيقاعه
ثم جاء اليوم الذي أدرك فيه القلب أنه لم يعد قادرا على المواصلة
يوم لم يحمل صراخا ولا دموعا فقط تعب صامت سحق كل محاولة للبقاء
حملته بين ضلوعي كما يحمل الأب طفله الأخير وسرت به نحو تلك الزاوية المعتمة التي لا يدخلها أحد تلك التي تراكم فيها ما تبقى من نفسي وما تبقى من ليال لم تنم وما تبقى من أمنيات انكسرت في منتصف الطريق
هناك قررت أن أدفنه
حفرت في داخلي حفرة تشبه ثقبا في الروح حفرة باردة لا تعرف الشمس وضعت القلب فيها دون مراسم دون وداع لم أجرؤ على النظر إليه طويلا ربما لأني كنت أعلم أني السبب في كل ما أصابه ثم أخذت بقايا الذكريات التي جرحته وغطيته بها كأني أدفن الألم بالألم
ومنذ أن انغلق التراب عليه تغير داخلي بطريقة لا يمكن شرحها
سكنني الصمت
هدأت فوضاي
توقف الصراع الذي كان يمزقني كل ليلة
لكن الهدوء لم يكن سلاما كان أشبه بفراغ بلا قاع فراغ لا يصدح فيه شيء لا حنين ولا غيرة ولا خوف ولا اشتياق فقدت شغفي بالكلمات فقدت دهشتي بالأشياء الصغيرة وصرت أنظر للعالم كمن ينظر من وراء نافذة مغلقة
ولأن الليل صديق الأرواح المحطمة كان أكثر من يفضحني
في منتصف الظلمة حين يبرد الهواء وتختفي الأصوات يخيل إلي أني أسمع طرقا خفيفا من تحت التراب
كأن القلب يحاول أن ينهض
كأنه يقول
لم تنته قصتي بعد
لكني أدير وجهي عنه لا لأني قاس بل لأني مرهق من القيامة بعد الموت مرهق من النهوض من رماد لم يعد يصلح للحياة
أخاف أن يعود
أخاف أن ينبض فيشتعل من جديد أن يثق من جديد أن يجرح من جديد
أخاف أن أعيد دفنه مرة أخرى وهذه المرة لن يبقى مكان لدفن آخر
ومع ذلك في عمق أعماقي أعترف بحقيقة لا أحبها
القلب الذي دفنته لم يفقد صوته تماما
لا يزال يحلم في الظل
لا يزال يترك أثرا خفيفا حين أمرر يدي فوق صدري
كأنه يقول لي إن الموت مؤقت وإن القلوب التي تدفن تعود بطريقة لم نتخيلها وربما في زمن لا ننتظره
إلى أن يحدث ذلك أو لا يحدث سأظل أمشي كما أنا
إنسانا فقد نبضه واكتسب عقلا أشد صمتا وروحا لا تزال تحاول أن
تتذكر كيف كانت تحب
لكن الحقيقة تبقى لا تتغير
هناك تحت جدار من صمتي
قلب مات ودفنته
وتركته خلفي وكأني لم أعرفه يوما

تعليقات