د.هبه المالكي - جامعة الأزهر-
يُعدّ الأطفال جيل المستقبل وعماد نهضة الأمم، ولذلك فإنّ صلاح سلوكهم هو الأساس في بناء مجتمع متماسك وقوي. وقد حثّ الإسلام على تربية الأبناء تربية صالحة تقوم على القيم والأخلاق، قال تعالى:
﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا﴾ (التحريم: 6)، وهذا توجيهٌ واضح بضرورة حماية الأبناء من الانحراف السلوكي.
وتُعرف السلوكيات المنحرفة بأنها كل فعل يخالف القيم والمعايير الدينية والاجتماعية، ويؤدي إلى اضطراب في علاقات الطفل بمن حوله. ومن أبرز هذه الظواهر: العنف والعدوانية تجاه الآخرين، وقد نهى الله عن الاعتداء فقال:
﴿ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾ (البقرة: 190).
كما يُعد الكذب من السلوكيات الخطيرة التي تهدد الثقة بين الطفل وأسرته، وقد ذمّ الله الكذب بقوله:
﴿إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب﴾ (غافر: 28).
ومن السلوكيات الشائعة أيضًا السرقة، وقد حرمها القرآن بوضوح:
﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾ (المائدة: 38)، مما يبين خطورتها على المجتمع.
ولا تقتصر الانحرافات على السلوكيات العدوانية فقط، بل تشمل الانطواء والخجل المرضي والهروب من المدرسة، وهي ممارسات تؤثر على نمو الطفل النفسي والاجتماعي والتحصيلي. ويُعدّ التنمّر والتخريب من المظاهر التي تهدد أمن المجتمع وتضعف قيم التعاون والمحبة بين أفراده.
ترجع أسباب هذه السلوكيات إلى عوامل متداخلة، منها:
الأسباب الأسرية: كالعنف أو الإهمال أو التفكك الأسري.
الأسباب المدرسية: مثل قسوة المعلمين أو التنمّر بين الطلاب.
الأسباب المجتمعية والإعلامية: كغياب القدوة وانتشار المحتوى الموجّه للعنف.
وقد بيّن القرآن الأرض الطيبة التي خصبتها التربة تنبت نباتًا حسنًا وسهلًا، بينما الأرض السبخة التي تربتها سيئة لا تنبت إلا نباتًا قليلًا متعسرًا وهذا مثلٌ ضربه الله للمؤمن والكافربقوله:
﴿والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه﴾ (الأعراف: 58).
وللسلوك المنحرف آثار وخيمة على المجتمع؛ إذ يؤدي إلى انتشار العنف، وارتفاع معدلات الجريمة مستقبلًا، ويؤثر في التحصيل العلمي للأطفال، مما يهدد أمن المجتمع واستقراره. لذا فإنّ علاج هذه الظواهر يبدأ من التربية الصحيحة المبنية على الرحمة والانضباط، قال تعالى:
﴿فبما رحمة من الله لنت لهم﴾ (آل عمران: 159)،
إضافة إلى احتواء الطفل نفسيًا، وتعزيز دوره الإيجابي في المدرسة والمجتمع.
فالطفل صفحة بيضاء، والمسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع لحمايته من الانحراف، وغرس القيم الحميدة فيه، ليكون لبنة صالحة تبني
مستقبل الوطن وتقوّي أركانه.

تعليقات
إرسال تعليق