القائمة الرئيسية

الصفحات

لبنان على حافة ميزان دقيق: جوزف عون بين واشنطن وحزب الله


بقلم : أسامة صالح 


تجدّد الأزمة اللبنانية إنتاج مشاهدها الأكثر حساسية، وهذه المرة عبر موقع قائد الجيش والرئيس المنتخب جوزف عون، الذي يقف أمام مفترق لا يحسد عليه. فبين ضغط خارجي متنامٍ، وآخر داخلي لا يقل حدّة، تبدو خطوات عون محكومة بتوازنات شديدة الهشاشة، تجعل أي انحناءة محسوبة بدقة، وأي خطأ احتمالًا لانفجار جديد في بلد يعيش فوق طبقات من التصدّعات.


تضغط واشنطن بوضوح. رسائلها وصلت إلى بيروت عبر القنوات الدبلوماسية والعسكرية: ضرورة ضبط سلاح “حزب الله” جنوب الليطاني، وإظهار قدرة الدولة – ولو نظريًا – على فرض حد أدنى من السيادة. هذا الضغط، الآتي من شريك تقليدي للمؤسسة العسكرية، يضع عون في مواجهة معادلة أميركية ثابتة: المزيد من الدعم مشروط بالمزيد من الضبط.


وفي الجهة المقابلة، يواجه عون حقيقة الداخل. أي خطوة نحو تقليص نفوذ الحزب تُقرأ لدى بيئته باعتبارها استهدافًا مباشرًا لمعادلة القوة التي رسّختها سنوات من الصراع. وخشية اندلاع صدام داخلي ليست نظرية، بل جزء من ذاكرة الحرب الأهلية التي ما تزال تعيش في شوارع البلاد. لذا تُفهم طمأنته لقيادات “حزب الله” بأن سلاحه “لن يُمسّ” كرسالة تهدئة ضرورية للبقاء على أرضية مشتركة.


بين هذين الخطين، يرسل عون إشارات متباينة. يهمس لواشنطن والرياض بأن الدولة قادرة على إعادة ضبط اللعبة إذا توفر الغطاء السياسي، ثم يعود ليؤكد للحزب أن حدود الدور العسكري لن تتجاوز الخطوط الحمراء المتعارف عليها. تبدو الازدواجية هنا ليست خيارًا، بل أداة اضطرارية لاحتواء السياسي بالمتفجر، ولتأجيل الأسوأ في بلد يعيش أسوأ أيامه.


السؤال الجوهري: هل هي مناورة سياسية للحفاظ على ما تبقّى من توازنات؟ أم محاولة يائسة لتثبيت موقع شخصي وسط عاصفة إقليمية لا تهدأ؟ ما يبدو واضحًا أن لبنان، في صورته الحالية، لا يحتمل رؤساء أحاديي الاتجاه. ومن يقف في الواجهة يدرك أن النجاة تقتضي التكيّف مع واقع متعدد الولاءات، ومتعدد الألغام.


قد ينجح عون في عبور المرحلة، وقد يدفع ثمنًا سياسيًا باهظًا. لكن الحقيقة الثابتة أن أي مقاربة لملف “حزب الله” خارج تفاهم داخلي وإقليمي أوسع، لن تكون سوى خطوة في الفراغ، وربما خطوة نحو اشتعال لا يملك لبنان ترف احتماله

تعليقات