كانت الشمس تتسلق السماء بخجل، مرسلة أشعتها الذهبية على القرية الصغيرة. بين النخيل الطويل والحقول المترامية، كان المنزل المبني من طوب اللبن والحجارة القديمة يبدو كرمز للصمود. هنا تعيش أمينة، التي حملت على كتفيها سنوات من الصبر والحب، رافعة شعار العائلة في وجه الزمن القاسي.
جلست أمينة على عتبة البيت، مرتدية ثوبها الأسود المبلل بنسمات الصباح. أمامها كان حفيدها الصغير يونس يلعب بالتراب، يداه الصغيرتان تمسكان بعصا خشبية، وكأنها سيف صغير يحرس أرضه. في عينيه لمحة فضول وخجل، كطفل يكتشف العالم لأول مرة.
بجانبها، جلس ابنها محمود، مستسلمًا لسكينة الصباح، عيناه تتبعان حركة الدجاجات التي تبحث عن بقايا القوت. كان صامتًا، لكنه في صمته كان يقرأ وجوه الطبيعة، يتأمل النخيل الذي يحرس الأرض من كل جهة، وكأن الأشجار تعرف أسرار البشر.
فاطمة، زوجة محمود، كانت تتأمل المشهد من الظل، صمتها قصيدة عن الصبر والعمل، حركاتها الدقيقة بين الدجاج والحقول تحمل معاني الرعاية والمحبة.
وفجأة، صرخ يونس:
"جدتي… انظري! النهر يلمع!"
رفعت أمينة عينيها، ورأت ضوء الشمس يتلألأ على المياه البعيدة، ليحمل معها وعدًا بالخصوبة والرزق. النيل كان قلب القرية النابض، لكنه كان أيضًا مرآة للروح: صافي، صبور، دائم العطاء.
وفي ذلك الصباح، تحت ظلال النخيل، أدركت العائلة الصغيرة أن الحياة، رغم بساطتها وقسوتها، يمكن أن تكون غنية بالحب والدفء. الضحكات، الصمت، وحتى دموع الإرهاق، كلها جزء من قصة البقاء، قصة الإنسان الذي يحارب الزمن بالصبر، ويزرع الأمل في تراب قلبه كما يزرع النخل في الأرض.

تعليقات
إرسال تعليق