يبقى السؤال الافتراضي «ماذا لو لم يسقط نظام مبارك؟» واحداً من أكثر الأسئلة إغراءً للخيال السياسي، لأنه لا يعيد النظر فقط في لحظة تاريخية فارقة، بل يستكشف كيف كانت ستتشكل ملامح الدولة المصرية لو استمر النظام حتى اليوم دون أن تهزه رياح يناير. هذا السيناريو ليس تبريراً ولا إدانة، بل محاولة لفهم مسار كان يمكن أن يتخذ شكلاً مختلفاً تماماً.
لو لم يسقط نظام مبارك، كانت مصر ستستمر فى نهج الاستقرار الحذر، ذلك الاستقرار الذى يعتمد على إدارة التوازنات وليس تغييرها. كانت البنية الإدارية ستظل ثابتة بنفس أسلوبها التقليدي، تتقدم ببطء شديد، وربما بحذر أكبر أمام موجة التحولات التكنولوجية والاقتصادية التى اجتاحت العالم بعد 2011. كانت شبكة المصالح السياسية والاقتصادية ستزداد رسوخاً، وقدرة النظام على امتصاص الاحتجاجات المتفرقة كانت ستتطور، لكن من دون تقديم حلول جذرية للملفات القديمة كالبطالة، البيروقراطية، وتراجع جودة الخدمات العامة.
اقتصادياً، كان من المتوقع أن تواصل الدولة السير على نفس الإيقاع: نمو محدود، استثمارات أجنبية متذبذبة، وهيكلة اقتصادية تعتمد بدرجة كبيرة على السياحة والتحويلات وقناة السويس دون توسع واضح فى البنية الإنتاجية. وربما كانت مشروعات كبرى ستظهر لكنها ستكون تدريجية وبوتيرة أبطأ كثيراً مما شهدناه خلال العقد الأخير. مصر كانت ستظل آمنة، لكنها ليست شديدة الجاذبية للاستثمار، وليست قادرة على تحقيق طفرة تنموية ضخمة.
أما على مستوى دور مصر الإقليمي، فمن المحتمل أن تبقى الدولة فى موقعها التقليدي: لاعب مهم لكنه غير صدامي، يميل إلى الحفاظ على التوازنات القديمة أكثر من الشروع في إعادة صياغتها. كانت ملفات فلسطين، والسودان، والعلاقات الإفريقية ستسير على الخطوط نفسها، من دون توسع كبير فى أدوات النفوذ أو إعادة تموضع داخل خرائط القوة فى الشرق الأوسط.
اجتماعياً، كانت الفجوة بين الأجيال ستزداد اتساعاً. شباب ما بعد 2010، الذى عرف التكنولوجيا والانفتاح الواسع، كان سيصطدم ببنية سياسية لا تريد التغيير السريع. وربما كانت موجات الاحتقان الاجتماعي ستتكرر على مدى السنوات، لأن التطلعات الجديدة كانت أكبر بكثير من قدرة النظام التقليدي على الاستجابة لها.
فى هذا المشهد الافتراضي، يمكن القول إن مصر كانت ستظل دولة مستقرة لكنها بلا قفزات، آمنة لكنها بلا مشروع تحول كبير، دولة تحاول مواكبة العالم ولكن بخطوات بطيئة. لقد كان إسقاط نظام مبارك بداية مسار جديد بكل تناقضاته، لكنه فتح الباب أمام حركة واسعة أعادت تشكيل المجتمع، والاقتصاد، والهوية السياسية للدولة.
السؤال «ماذا لو؟» لا يغيّر التاريخ، لكنه يكشف لنا كيف أن لحظة واحدة يمكن أن تعيد رسم مستقبل أمة بحجم مصر، وكيف أن الدول لا تتغير فقط بسقوط الأنظمة أو بقائها، بل بقدرتها على الاستجابة لتطلعات الناس وصناعة مستقبل يليق بتاريخها.

تعليقات
إرسال تعليق