في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى جهود التهدئة في المنطقة، يعود الملف اليمني ليُطل برأسه من جديد، حاملاً مؤشرات توتر متصاعدة بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران والمملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي منذ عام 2015. ومع تجدد الهجمات الحوثية على الملاحة في البحر الأحمر وتصاعد التصريحات السياسية من الجانبين، يبرز التساؤل: هل نحن أمام جولة جديدة من الصراع؟
شهدت الفترة الماضية هدوءاً نسبياً في العمليات العسكرية بعد مفاوضات غير معلنة ورغبة سعودية واضحة في إنهاء الحرب التي استنزفت الموارد وأثقلت كاهل المملكة. لكن في المقابل، استغل الحوثيون فترة التهدئة لتثبيت نفوذهم السياسي والعسكري في شمال اليمن، مع استمرار حصولهم على دعم وتسليح من طهران، الأمر الذي أعاد أجواء الشك والتوجس إلى المشهد الإقليمي.
تعتبر الرياض أن استمرار الحوثيين في تهديد الممرات البحرية الدولية بمثابة تجاوز للخطوط الحمراء، خاصة أن تلك الهجمات تُعرّض أمن الخليج وحركة التجارة العالمية للخطر. كما يرى مراقبون أن فشل الأمم المتحدة في تحويل الهدنة إلى اتفاق دائم يزيد من احتمالية عودة الاشتباكات، خصوصاً أن التحالف العربي لم يحقق حتى الآن أهدافه الإستراتيجية كاملة، فيما يسعى الحوثيون لتكريس واقع جديد يفرضهم لاعباً سياسياً معترفاً به دولياً.
تسعى المملكة ضمن رؤيتها الطموحة "رؤية 2030" إلى بناء بيئة مستقرة تخلو من الصراعات، لكن أي تهديد مباشر لأمنها القومي قد يدفعها إلى إعادة حساباتها. فالخيار العسكري، وإن لم يكن مفضلاً حالياً، يظل ورقة مطروحة على الطاولة إذا استمر الحوثيون في التصعيد ورفض التسوية.
إن المشهد الحالي يعكس حالة اللا سلم واللا حرب، حيث لا توجد تسوية سياسية حقيقية، ولا رغبة واضحة من جميع الأطراف في التصعيد الكامل. ويظل السؤال المطروح: هل تنجح الجهود الإقليمية والدولية في تثبيت السلام، أم أن المنطقة على موعد مع جولة جديدة من المواجهة؟
من الناحية التحليلية، يمكن القول إن احتمالات تجدد الصراع بين الحوثيين والسعودية ترتبط بدرجة التزام الحوثيين بالحل السياسي وتخليهم عن نهج التصعيد العسكري كورقة ضغط، إضافة إلى قدرة السعودية على تحقيق توازن بين الردع العسكري والانفتاح الدبلوماسي دون أن تُعرّض أمنها القومي للخطر. كما أن دور القوى الدولية والإقليمية، وعلى رأسها إيران، يبقى عاملاً حاسماً في دعم مسار الاستقرار أو تغذيته لمزيد من التوتر.
في المجمل، تبدو المنطقة أمام مفترق طرق حقيقي؛ فإما أن تنتصر لغة الحوار والمصالح المشتركة، أو تعود نيران الحرب لتشتعل من جديد، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على أمن البحر الأحمر ومستقبل الاستقرار في الخليج بأكمله.

تعليقات
إرسال تعليق