بقلم/نشأت البسيوني
هناك ساحات لا تعرف الغبار ولا تلمسها أقدام الناس ولا يدركها سوى قلة اختصتهم الحياة بالألم فأهدتهم القوة من غير أن يطلبوها
ساحات تقام فيها المعارك الأعظم تلك التي لا ترى فيها السيوف ولا يسمع فيها صهيل الخيل
بل يسمع فيها وجيب القلب وهو يقاتل وترى فيها الروح وهي تنهض بعد ألف هزيمة
وفي تلك الساحات الخفية يقف الإنسان فجأة يشد على قلبه ويرفع رأسه ويقول بهدوء يمزق الصمت
هل من منافس
لكن الجواب يأتي دائما من الداخل
من مكان عميق لم يصل إليه أحد من غرفة مظلمة في الروح علقت فيها كل الخيبات القديمة كل الجراح التي لم تلتئم كل السقوط الذي كتمته عن العالم
هناك فقط يخرج المنافس الحقيقي
أنت
كم مرة يا صديقي ظننت أن العالم يقف ضدك
وكم مرة اكتشفت أن خصمك الحقيقي كان ضعفا فيك أو كلمة آلمتك أو خوفا اتسع حتى غطى سماءك
المعارك التي تخوضها مع الناس لا تنضجك
لكن الحرب التي تخوضها مع نفسك تغيرك من الجذور
هي التي تعيد ترتيبك تعيد بنائك تعيد صياغة ملامح روحك كما يصاغ الحديد الأحمر بين أيدي النار
لا أحد يرى تعبك حين تغلق الباب على نفسك تحدق في السقف وتعيد حسابات حياتك
لا أحد يسمع صوتك الداخلي حين تقول
لم أعد أحتمل
ثم رغم ذلك تحتمل
لا أحد يفهم كيف تنهض في الصباح بعد ليلة ثقيلة كأنها عمر كامل
هذه اللحظات التي لا يراك فيها أحد
هي التي تقرر نتيجتك حين تسأل هل من منافس
أحيانا يكون الانتصار مجرد أن تواصل
مجرد أن تقول أنا هنا رغم كل شيء
مجرد أن تختار الطريق الصعب وأنت تعلم أنه سيؤلمك لكنه سيبنيك
مجرد أن تقف على قدميك في اليوم الذي تمنيت فيه لو أنك تختفي
القوة ليست في مظهر يراه الناس بل في صراع لا يشهده أحد
والبطولة ليست في هزيمة الآخرين بل في هزيمة الضيق حين يضيق صدرك والألم حين يشتد عليك والخيبة حين تسرق نورك وتعود رغم كل شيء
يا صديقي
حين تتجاوز ضعفك لا يعود في الأرض كلها من يستطيع اللحاق بك
حين تكسر قيدا وضعته الأيام عليك لن يعود بإمكان أحد أن يوقفك
حين تصنع من وجعك سلما لن تدركك سهام الحاسدين مهما أطلقوها
وهكذا خطوة بعد خطوة وجرحا بعد جرح وصبرا بعد صبر ستجد نفسك ترتقي نحو قمة لم يصل إليها أحد قمة كتبت عليها الحياة بمداد التجربة
هنا يقف من نافس نفسه حتى صار سيدها
وحين تصل ستبتسم تلك الابتسامة التي لا يراها إلا العظماء
ابتسامة من أدرك الحقيقة التي غفل عنها الكثيرون
أن خصمك الحقيقي كان يسكن في داخلك وأنك حين هزمته لم يبق في الطريق من ينافسك

تعليقات
إرسال تعليق