القائمة الرئيسية

الصفحات

حين تجسّد إبليس… واكتشف أن البشر لم يعودوا بحاجة إليه


بقلم : محمد حسني محمود 

هناك خيال غريب لكنه واقعي أكثر مما نتصور ..ماذا لو قرر إبليس، المخلوق من نار، أن يتخلى عن وسواسه الخفي ويتجسد في هيئة بشر؟أن يعيش بيننا، يشعر بما نشعر، ويختبر ما نختبر، ويرى العالم من خلال أعيننا؟

الفكرة ليست قصة رعب، بل مرآة سوداء نضعها أمام واقع مرّ نعيشه..واقع ازداد فيه الشر الإنساني إلى درجة جعلت الشيطان نفسه يبدو هاويًا.

الصدمة الأولى… حين عاش إبليس في جسد إنسان .. حين تجسد، اكتشف إبليس مفاجأة لم تخطر لبال أحد .. البشر لا ينتظرون وسواسه ليفعلوا الشر.

بل يمارسونه وحدهم، وببراعة تفوق مخيلته... هو الذي قضى عمره كله يعتمد على الهمس ليغوي الإنسان، وجد أن هناك بشرًا يغوون أنفسهم بأنفسهم،

يمارسون أبشع الجرائم بلا تردد،ويتحولون لذئاب لا تعرف الرحمة.

التوحش الإنساني الجديد

خلال السنوات الأخيرة، شهد العالم انفجارًا مرعبًا في جرائم لم يعد مجرد ذكرها كافيًا لشرح فظاعتها:

الاغتصاب، التحرش الجنسي، الاعتداء على الأطفال، تصوير الجريمة ونشرها…

أفعال لم يعد الشيطان نفسه يحتاج للتدخل فيها.

الجريمة أصبحت مشهدًا متكررًا،

والتحرش صار “عاديًا” عند البعض،

والاغتصاب لم يعد صدمة نادرة بل عنوانًا يوميًا.

بل الأخطر:.. لم يعد المجرم يشعر بالخجل…وأحيانًا، المجتمع نفسه يلوم الضحية بدلًا من مواجهة الجاني.

لماذا فشل إبليس؟

في الحكاية الرمزية، فشل إبليس لأنه أدرك أن البشر تجاوزوه. لم يعد الشر قائمًا على وسوسة، بل على اختيار واعٍ من نفوس فقدت الرادع الأخلاقي.

هناك من يتحرش ليشعر بالقوة،ومن يغتصب ليؤكد سلطة غير موجودة،

ومن يستغل ضعف طفل أو امرأة لأنه يرى نفسه فوق القانون... إبليس الذي كان يتفاخر بأنه يغوي البشر،وجد نفسه أمام بشر يفعلون ما لم يخطر له على بالشر بلا سبب،اعتداء بلا ندم،وعنف بلا إنسانية.

الشيطان الحقيقي ليس غيبيًا… بل إنساني

ليست القضية في كائن يحاول إغواءنا،

بل في إنسان يتوحش حين تغيب التربية، والقانون، والوعي، والرحمة.

التحرش والاغتصاب ليسا نتيجة شيطان،

بل نتيجة– ثقافة تلوم الضحية– مجتمع يصمت– رجال يبررون– نساء يخشين الكلام– إعلام يستهين– وتربية مهملة

هذا التراكم هو ما يصنع الوحش…

والوحش حين ينتشر، لا يعود للشيطان دور.

الرسالة التي يجب أن تُقال بصوت واضح

هذا المقال ليس لخلق رعب، بل لتحمل مسؤولية.. نحن، كبشر، أصبحنا نصنع شرًا يتجاوز وسوسة إبليس نفسه.

وإن أردنا مواجهة التحرش والاغتصاب،

فالعدو الحقيقي ليس شيطانًا غيبيًا…

العدو هو– صمتنا– تطبيعنا للجريمة– تبريراتنا– ونظرتنا المعوجة للمرأة والطفل

الشيطان لا يتجسد اليوم…الذي يتجسد هو اختياراتنا.إما أن نكون بشرًا… أو نتحول لوحوش بأجساد بشرية.

تعليقات