بقلم : محمد حسني محمود
في عالم مليان ضجيج، بقى الكلام أسهل من الاستماع، والحكم أسرع من الفهم، والتوقعات أعلى من احتمال البشر.
ومع الوقت، بقينا ندخل أغلب محادثاتنا وإحنا شايلين “سيناريو” كامل جوا دماغنا…مين هيقول إيه؟ هيزعل ولا هيفرح؟ هيتغير ولا هيفضل زي ما هو؟
وساعتها، من غير ما ناخد بالنا، بنبطل نسمع بجد.
الاستماع دون توقعات مش مهارة اجتماعية بس…دي حالة وعي.
محاولة صادقة إنك تعيش اللحظة زي ما هي، مش زي ما انت عايزها تبقى.
إنك تشوف الشخص اللي قدامك وهو بيتشكل من جديد… مش نسخة باقية من الماضي.
الصورة القديمة… العائق الأكبر أمام أي بداية جديدة
كلنا بنحتفظ بصور قديمة للناس اللي عرفناهم .. صورة لشخص دايما عصبي، أو دايما بارد، أو دايما سلبي..صور مخزنة من مواقف فاتت، من جراح، من سوء فهم، من لحظات اتقال فيها كلام ماكانش المفروض يتقال...المشكلة إن الصور القديمة بتعمل زي الفلاتر الخفية…تخلي كل كلمة، كل حركة، كل نَفس، يتفسر على أساس الماضي.ولما كده يحصل…إحنا مش بنسمع الشخص اللي قدامنا.
إحنا بنسمع الصورة اللي في دماغنا.
لكن لما نخلي الاستماع حر…من غير توقعات، ومن غير إسقاطات، ومن غير سيناريوهات متفبركة،ساعتها بس… نسمح لصورة جديدة إنها تتكون.
صورة يمكن تكون أنضج، أهدى، أصدق…
أو أحيانًا صورة مختلفة تمامًا عن اللي كنا فاكرينه.
خفض سقف التوقعات… أعلى درجات الحكمة
التوقعات العالية في العلاقات عاملة زي تحميل تطبيق على موبايل قديم…
بتعلق.بتسخن.وبتبوظ في الآخر.
لما تتوقع من اللي قدامك إنه يفهمك دايمًا، يسمعك من غير ما تغلط، يترجم سكوتك، يفسر مزاجك، ويقول اللي نفسك تسمعه…
انت بتبني مِلك وهمي، أول هبّة هواء بتوقعه.
أما لما سقف التوقعات ينزل…الحوار يبقى حر.مفيش ضغط... مفيش قلق...مفيش “لازم” و“مفروض”.
تسمع الشخص… مش النسخة المثالية اللي رسمها خيالك..وتشوف الحقيقة… مش الأمنية..الإصغاء الحقيقي… مساحة أمان مش ضعف الناس ساعات تفتكر إن اللي يسمع كتير يبقى ضعيف، أو ساكت، أو قابل بالزيادة..بس الحقيقة عكس كده تمامًا...الإصغاء من غير توقعات هو أعلى درجات القوة...لإنك بتتخلّى عن وهم السيطرة، وتسمح للواقع إنه يتكلم بنفسه.
انت مش داخل الحوار علشان تثبت إنك صح…ولا علشان تفتش عن غلطة…
ولا علشان تجمع ردود لأي معركة جاية.
انت داخل علشان تفهم...والفهم عمره ما كان ضعف.
حكاية صغيرة… ومغزاها كبير
مرة صديق قديم رجع يكلمني بعد غياب طويل.
ودخلت المكالمة وأنا شايل صورته القديمة: شخص متسرع، بياخد كل حاجة بمحمل شخصي، وبيزعل من أقل كلمة.
لكن المرة دي قررت اسمع من غير توقعات.
اتفاجئت…
لقيت قدامي شخص تاني أهدى، أعمق، وأكتر نضجا..مش عشان هو اتغيير بس…
لكن كمان عشان أنا أخيرا سمحت له إنه يتغير في عيني.
وهنا فهمت الدرس:
أحيانًا الناس بتتغير…
بس صورنا القديمة اللي بتفضّل ثابتة.
ادخل كل حوار وكأنك بتفتح نافذة جديدة.
اترك الهواء يدخل من غير ما تحاول تتحكم في اتجاهه.
استمع… حتى لو الكلام مش زي ما توقّعت.
افتح المجال لصورة جديدة تبني نفسها مكان اللي قِدِمت وتشقّقت من الزمن.
وقتها بس…
هتكتشف إن التواصل مش محتاج كلام زيادة،هو محتاج أذن هادية… وقلب مشغّل وضع “استقبال” بدل “توقع”

تعليقات
إرسال تعليق