✍️ بقلم: أحمد الشبيتي
لم يعد يمر يوم إلا ونسمع عن مشاجرة هنا أو جريمة هناك، وكأن الدماء أصبحت تُراق لأسباب لا تساوي كلمة عتاب أو نظرة غضب! مشهد مؤسف يتكرر في قرانا ومدننا، يحمل في طيّاته تراجعًا خطيرًا في القيم والأخلاق، واستهانةً غير مبررة بحرمة النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
لقد أصبحت جرائم القتل والضرب والإصابة الخطأ من أكثر القضايا التي تملأ أروقة المحاكم وأقسام الشرطة، وأغلبها يبدأ بخلاف بسيط وينتهي بكارثة. كلمة في لحظة غضب، أو مشادة على طريق، أو حتى خلاف بين أطفال تتحول إلى مأساة أسرية ومجتمعية تدفع ثمنها الأمهات والزوجات والأبناء.
في زمنٍ كان الناس يحتكمون فيه إلى العقل والحكمة، كانت المشاكل تُحلّ بجلسة عرفية أو كلمة من شيخ البلد، أما اليوم، فقد طغت لغة العنف والسلاح الأبيض والناري، وتسللت البلطجة إلى أحيائنا، حتى صار البعض يظن أن القوة في التهديد، لا في ضبط النفس!
القانون المصري لم يغفل عن هذه الجرائم، فقد شدد العقوبات على كل من يعتدي على النفس أو الجسد عمدًا أو حتى خطأً، لأن الإهمال والاستهتار في استخدام القوة أو الأدوات القاتلة لا يقل جرمًا عن القتل العمد. فـ"القتل الخطأ" قد يراه البعض غير مقصود، لكنه في نظر العدالة إزهاق روح بسبب الإهمال أو الطيش أو قلة الوعي، وهو جريمة تستحق العقاب والتأديب.
أما جرائم البلطجة، فهي الوجه القبيح لضعف الوعي القانوني والاجتماعي، وسبب رئيسي في بث الخوف داخل المجتمع. لذلك، وضعت الدولة قوانين صارمة لمحاربتها، تصل أحيانًا إلى السجن المؤبد إذا ارتبطت الجريمة بحيازة سلاح أو تهديد حياة المواطنين.
إن أخطر ما في هذه الجرائم ليس فقط من يموت أو يُصاب، بل ما يترتب عليها من تفكك أسري، وثارات، وعداوات تمتد لسنوات. فكم من شاب فقد مستقبله خلف القضبان، وكم من أم تبكي ولدها كل صباح لأن كلمة واحدة كانت كفيلة بتغيير مصيره.
يا سادة...
لسنا بحاجة إلى مزيد من الدماء، بل إلى عقول واعية ونفوس هادئة تدرك أن الشجاعة الحقيقية ليست في الضرب والقتل، بل في الصبر وضبط النفس. يقول النبي ﷺ:
“ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.”
فلنجعل هذا الحديث نبراسًا لنا جميعًا.
لنوقف نزيف الغضب قبل أن يتحول إلى جريمة، ولنعلّم أبناءنا أن الرجولة ليست سلاحًا ولا صوتًا عاليًا، بل خلقٌ وعقلٌ ورُقيّ.

تعليقات
إرسال تعليق