القائمة الرئيسية

الصفحات

الهاوية التي علّقت إبليس بين السماء والأرض.



الأديبة والمفكرة الدكتورة جعدوني حكيمة.


من رواية "نبي الظلام".


،؛، إن الحسد؛ أشدّ أنواع السحر ظلمة وتدميرًا، لو سمحتم! أنا أخاطب فقط سلاطين الحب والبراءة، وحرّاس المعمورة من الهلاك، وملوك العدل والعلم، الخرافيون؛ أصحاب العقول النيّرة، المشبّعة بالعطاء والرحمة، يا نجومًا نزلت إلى الأرض؛ كي تشرق أركانها وكواكبًا رحّبت بواباتها النجمية، بكل تائه متضرّر في موطن الأرواح الأسطورية.


 ماذا أقول عنكم غير أنكم؛ الجند المنصورون، حتى وإن سرق العابثون نجاحاتكم للأبد، أنتم الجادّون الواعون المهذّبون، لا تخافون أحدا غير الخالق. أما الذي تخافون فيه ظلمة؛ المتكبّر الفاسق أمام ربّه، الحاسد أمام نفسه والمنافق أمام مصالحه.


أقول لكم يا أحبّاء الإله وأنبياءه وما في كونه من سلام، أنتم عماد الحياة وللبقية التجاهل، ما داموا أحياءًا وأموات. ،؛،


قطعةٌ يابسة في الشمال من المعمورة، يضمّها المحيط؛ لتبدو وسطه كملاذ إكتئابٍ عائم، وحيدة في طيّ نأيها، ينحتها يأس جذاب، بمهارة سوطه وأصواته المفرغة من التردّد، ينعدم قانون القَلَوِيّة في بيئة تربتها، التي يشوبها جبل من مغناطيس قوي الجذب. 


اختلطت قاعدة مكوّناته الأجّاجة، بخلاصة معدنية لاذعة، أصلها نحاس وحديد، ذوي الخصائص الثابتة؛ التي لا تتغير وتسهم في التأثير على كل شيء من حولها، بقبضة روائح جائرة مُمرِضة، لدرجة؛ ما إذا اِقترب من حيزها أي كائن حيّ، تلذغه بهالتها القاتلة حدّ الموت والإنفجار. 


أما ماء البحر المالح الأجّاج؛ الذي يحيط بجبل المغناطيس من كل جانب، فهو عبارة عن سائل حامضي حارّ التركيبة، يندلع بالسميّة وتتصاعد منه أبخرة؛ كبريتية رادعة للأنفاس، حارقة التّماس، تتقلّب في الأجواء كالصهّارة البركانية.


 هذه جزيرة مأسورة، يخلد الموت في يقظته، بين أرضها وسمائها، منذ أن صُمّمت؛ لتكون أسرًا وسجنا مشدّد الحراسة لإبليس، الذي أمر الإله ملائكته البرّاقة بالتهذيب والمُنتِجَة للاِمتثال، بإعادة هذا المخلوق إلى الأرض ونبذه على هذه الجزيرة، بكل ما يعنيه الطرد من نفي محكم.


 تطلّبت نوعية الإحتجاز؛ أن يتمّ إكتباله بين البرّ والأفق، معلّق في الهواء أسفل الجبل، في حفرة مغلقة، بلا طائل للنجاة من رعب هذا الزمكان، رغم طلاقة فضائه؛ فهو يُذكّر إبليس بالقدر ذاته، الذي حشره في حفرة مقفلة، أيام عهده بالجنّ.


 إحتضار؛ تبكيه الحياة وتؤيّده المعاناة القاسية، إذ لا شيء من تحته ومن فوقه، قابل للنبض أو النمو، لحكمة تنعت بإشارتها إلى نفس "المُقيَّد" الخبيثة، والتي إذا وجدت الخير في ذرّة، جعلت منها صخورًا مجنّدة، تتساقط بالشرّ، ويصيب بعينه النفّاذة، ينابيع البركة، لتغور وتجفّ ويحصد برياح تواجده اليابس والأخضر.


 "إبليس" مخلوق حسود بطبعه، الذي يشغل أعلى مراتب الأنانية، التي من خلالها؛ لا يرضى بالخير إلا لنفسه، فلا يكتفي بتمنّي زوال النِعم بل ويطمح إلى إمتلاكها، ثم قطع مسيرتها نحو أصحابها نهائيًا.

تعليقات