القائمة الرئيسية

الصفحات

لو أردت أن تعيش سعيداً خذ الحياة كما هي ....

 ** هنا نابل  

بقلم: المعز غني ***



الحياة يا صديقي ، أكثر تعقيداً من أن ننتظر منها إنصافاً بمقاييسنا البشرية المحدودة. 

كثيراً ما يعصف بنا الأمل في أن يأتي يوم يعود فيه الحق إلى نصابه ، ويعتذر الظالم لما أقترف ، ونُشفى نحن من أوجاع عبث الزمان ، ولكننا بذلك نُسلم أعناق قلوبنا لانتظارات لا تنتهي ، وعِقْدٌ من الآمال النادرة ، ونغفل عن حقيقة ساطعة : الحياة لا تهتم كثيراً بمعايير العدالة الخاصة بنا.


كم يضيع من أعمارِنا ونحن نحمل عتابَنا في صدورنا ، ننتظر كلمة إعتذار تبرّد جراحنا ، أو بادرة ندم تلمّ شتات حطامنا ، ونسينا — في خضم الإنتظار — أن العمر يمضي لا يلوي على شيء ، وأن الوقت الذي ينقضي لن يعود ولو أنفطرت قلوبنا حسرةً عليه.


أسرار السعادة الحقيقية تكمُن هناك ، في قدرتك على تقبّل الوجود كما هو ، دون شروطٍ ولا إنتظارٍ لمعجزات العدل في الدنيا.

 لا تنتظر أحداً ليصلح ما أفسده الدهر معك ، فالحياة ليست محل خياطة يرقّع ثقوبنا حسب الطلب ، وليست قانوناً صارماً ينصف المظلوم كلما شاء.

 الجراح التي في قلبك ، عليك أن تتكفّل علاجها بنفسك ، أما لو أنتظرت من أوجعك أن يسعفك أو يُعطيك حقك ، فقد تدفن سنينك كلها في قلق وإنتظار ولعن للظروف .


ولا تتوقع ، في يوم من الأيام أن أشواك الظلم تنتزع من ضمير الظالم برؤيته يتألم ويتعذب ، فليس كل من أوجعك يشعر بألمك ، بل قد يمضي غير مُبالٍ ويترك خلفه صدى الجُرح في داخلك ، يتضخّم ويورِق إذا لم تدرك أن قوة التسامح لا تخرجك من فعلته فحسب ، بل تُخرجك أيضاً من دائرة الضحية.


ثم إن الانتقام يا صديقي ، سراب لا يرتوي به القلب.

 قد تظن أن شفاء غليلك برؤية من ظلمك يتألم ، لكنك إذا تذوقت ثمرة الإنتقام – إن فُرضت أصلاً – ستكتشف أن مرارتها أشدُّ من مرارة الألم الذي تلقيته سابقاً.


ولهذا ، أقبل الحياة على طبعها المطبوعة عليه : غير عادلة أحياناً ، رمادية أحياناً ، مليئة بالظلم والغبن والمصادفات القاسية. 

وأقبل نفسك كما أنت – بنقائصك وأخطائك وضعفك أحيانًا – حينها تبدأ رحلة التعافي ، وتتفكك أغلال الماضي .


خذ من آلامك العِبر ، ومن خيباتك الدروس وتعلّم أن لا تكرر تجاربك المريرة بنفس السذاجة ، وأعزم أن لا تُمثل دور الظالم مهما تمكّنت ، فكم من مظلوم تحوّل دون أن يدري ، إلى نسخ متكررة ممن ظلموه ، وتجذّر فيه ذلك الحقد الذي ظنه خلاصاً فإذا به لعنة تلاحقه وتفرّق بينه وبين السلام الداخلي.


أن تعيش سعيداً يعني أن تشفى دون شرط ، وأن تصفح دون ضعف ، وأن تترك أسباب الحقد والمرارة خارج أسوار قلبك . السعادة ليست في إنصاف الدنيا ، بل في قدرتك أن تتجاوزها وتمضي خفيف الروح، مطمئناً أن الزمان لن ينتقم لأحد، وأن الرحمة والسلام ، هما ما تُهديه لنفسك حين تعفو وتحب وتُكمل الدرب برضى وتقبل .


كثيرة هي الدروس التي نتعلمها من ماضٍ موجع ، لكن المهم : ألا نسمح له أن يعيد نفسه في حاضرنا. 

ولا أن نجد لذاتنا أعذاراً إذا تحولنا – بغير قصد – إلى نسخة من أولئك الذين تمنينا أن نراهم ينصفوننا أو يعترفون بخطاياهم.


إختر كل يوم ، أن تسامح نفسك قبل غيرك ، وأترُك أسلحة الإنتظار والعتاب ، وأمضِ في دربك متقبلا الحياة وأخطائك والبشر كما هم. 

حينها فقط ، قد تكتشف أنك بدأت تطرق أبواب السعادة بطريقتك الخاصة.


--------

تعليقات