القائمة الرئيسية

الصفحات

فنلندا تنضم لصف السلام: هل بداية نهاية الهيمنة الأمريكية على القضية الفلسطينية؟

 

الإخبارية نيوز : 

بقلم : نبيل أبوالياسين

في عالم تتراقص فيه الدبلوماسية على حافة الهاوية، وتتصارع فيه القوى الكبرى على النفوذ، تأتي خطوة فنلندا لتثير تساؤلات عميقة حول مستقبل القضية الفلسطينية. إعلان وزيرة الخارجية الفنلندية الانضمام إلى "إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وحل الدولتين" ليس مجرد خبر عابر، بل هو مؤشر على تحول في المواقف الدولية. هذه الخطوة تعكس إدراكاً متزايداً بأن الحلول القديمة لم تعد مجدية، وأن الصمت لم يعد خيارًا مقبولًا في وجه الإبادة الجماعية. هل هي بداية نهاية الصمت الدولي المخزي، أم مجرد مناورة دبلوماسية جديدة؟


تحول في المواقف: من الحياد إلى الانخراط








لطالما عُرفت فنلندا بسياستها الخارجية الحذرة، ولكن قرارها بالانضمام إلى الإعلان المشترك الذي تقوده فرنسا والسعودية يمثل خروجًا عن هذا التقليد. لقد أدركت هلسنكي أن الصراع في الشرق الأوسط لم يعد قضية محلية، بل يمثل تهديدًا للاستقرار العالمي. الإعلان، الذي يدين هجمات حماس وإسرائيل على المدنيين، ويطالب بوقف إطلاق النار، يعكس محاولة لبناء موقف دولي متوازن، يرفض العنف من جميع الأطراف. هذا التوجه الجديد يشير إلى أن الدول الأوروبية لم تعد مستعدة للاختباء خلف شعارات الحياد، بل أصبحت مستعدة للانخراط بشكل مباشر في إيجاد حلول سلمية.


اعتراف متزايد: هل أُفلت زمام الأمور من الولايات المتحدة؟








إن انضمام فنلندا ليس حالة فردية، بل هو جزء من موجة اعترافات متزايدة بالدولة الفلسطينية. فرنسا ومالطا وبريطانيا، وعدد من الدول الأخرى، أعلنت عن اعتزامها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الفترة المقبلة. هذه التحركات تضع الولايات المتحدة في موقف حرج، خاصة وأنها لطالما عارضت الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية، وحذرت من أن ذلك قد يؤدي إلى رد فعل إسرائيلي يتمثل في ضم الضفة الغربية. إن هذا الانفصال بين الموقف الأمريكي والموقف الأوروبي يشير إلى أن واشنطن لم تعد تتحكم بشكل كامل في مسار القضية الفلسطينية، وأن دول العالم بدأت في اتخاذ مواقف مستقلة، مدفوعة بضرورة إيجاد حل عادل وشامل.


السياق التاريخي والانعكاسات العملية: بين الأرقام والأرض








هذه الموجة ليست الأولى من نوعها، لكنها قد تكون الأكثر زخماً منذ الاعتراف التاريخي بـ 94 دولة بدولة فلسطين عام 1988، ثم موجة الاعترافات التي قادتها أمريكا اللاتينية عامي 2011-2012. اليوم، ومع انضمام فنلندا إلى أكثر من 146 دولة اعترفت بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة أو كدولة مستقلة، يصبح السؤال عن الجدوى والانعكاسات العملية أكثر إلحاحاً. فهل سيتحول هذا الزخم الدبلوماسي إلى أدوات ضغط فعالة؟ الإجابة قد تكمن في آليات مثل دفع المزيد من الدول لفرض عقوبات على المستوطنات الإسرائيلية، أو دعم التحقيق في جرائم الحرب في المحكمة الجنائية الدولية بشكل أكثر حزماً، أو حتى تعليق اتفاقيات الشراكة مع إسرائيل في الاتحاد الأوروبي. على الأرض، في الضفة الغربية وقطاع غزة، يمكن أن يترجم هذا الضغط الدولي إلى دعم مالي وسياسي ملموس السلطة الفلسطينية، مما قد يمنحها مزيداً من المصداقية والشعبية في مواجهة صعود التيارات الراديكالية، ويجعل الاحتلال على إسرائيل أعلى من أي وقت مضى. النضال لم يعد دبلوماسياً فقط، بل هو معركة على الأرض وفي أروقة المحاكم الدولية.


عزل إسرائيل: الضغط الدولي يتصاعد








مع تزايد الاعترافات الدولية، وتصاعد الانتقادات لحربها في غزة، تجد إسرائيل نفسها في عزلة متزايدة. رد فعل إسرائيل على هذه الخطوات، والذي تجلى في تهديدات وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بضم الضفة الغربية، يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية ليست مستعدة لتقديم أي تنازلات من أجل السلام. هذا التعنت، الذي يتعارض مع القانون الدولي، يزيد من الضغط على إسرائيل، ويدفع المزيد من الدول إلى اتخاذ خطوات جريئة لدعم القضية الفلسطينية. حتى أقرب حلفائها، مثل الإمارات التي وقعت اتفاقيات أبراهام، بدأت تحذر من أن أي خطوة ضم ستكون بمثابة "خط أحمر" يهدد اتفاقيات السلام.


التحديات والسيناريوهات المستقبلية: بين الاعتراف والتنفيذ










رغم الأهمية الرمزية لهذه الخطوات الدبلوماسية، إلا أن التحدي الحقيقي يتمثل في تحويل هذه الاعترافات إلى واقع ملموس على الأرض. فتاريخ القضية الفلسطينية يحفل بالعديد من المبادرات والاعترافات التي لم تترجم إلى تغيير حقيقي في حياة الفلسطينيين. السؤال الجوهري هو: كيف يمكن تحويل هذه الزخم الدبلوماسي إلى ضغط فعّال يوقف العدوان الإسرائيلي ويضمن حق الفلسطينيين في تقرير المصير؟ هل ستتبع هذه الاعترافات خطوات عملية مثل فرض عقوبات على المستوطنات أو دعم مقاضاة إسرائيل في المحاكم الدولية؟ الإجابات على هذه الأسئلة ستحدد ما إذا كانت هذه الخطوات مجرد تحول دبلوماسي أم أنها بداية لمسار جديد حقيقي نحو السلام العادل.


ختامًا: موجة التغيير قادمة، فهل تستطيع إيقافها؟









في خضم هذا المشهد المعقد، يتضح أن العالم يتغير. إن إعلان فنلندا ومالطا وفرنسا وبريطانيا عن اعتزامهن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس مجرد قرارات سياسية، بل هو مؤشر على موجة تغيير قادمة. لقد سئمت شعوب العالم من الظلم، ومن رؤية شعب يُباد ويُهجر أمام أعينهم. إن صمت الماضي لم يعد مقبولًا، والوعود الزائفة لم تعد تنطلي على أحد. إن رسالة العالم لإسرائيل واضحة: السلام لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال العدالة، والعدالة تتطلب الاعتراف بالحق الفلسطيني في الوجود والسيادة. هل ستستمر إسرائيل في تعنتها، أم أنها ستدرك أن موجة التغيير قادمة، ولن تستطيع إيقافها؟.


تعليقات