القائمة الرئيسية

الصفحات

هل ترحل القواعد العسكرية الأجنبية من المنطقة؟


بقلم: أيمن بحر


مصر وعت الدرس جيدًا، ولديها من الخبرات ما هو كافٍ ليجنبها أي موقف أو قرار مُتعجل، أو الحكم على الأمور من مُنطلق العاطفة. فالتاريخ، بكل ما يحمله من جراح ومآسي، لا يزال يُعلمنا أن الأمن القومي لا يُبنى بالكلمات الطيبة ولا بالنيات الحسنة فقط، بل بالرؤية الواضحة والقرار الحاسم والوعي الكامل بما يُحاك في الظل.


حتى لا ننسى.. قاعدة هويلس الأمريكية في ليبيا



من الدروس التي لا يجب أن تُمحى من الذاكرة العربية عمومًا، والمصرية بشكل خاص، ما حدث في يونيو من عام 1967. ففي صباح يوم الإثنين 5 يونيو، انطلقت نحو 20 طائرة مقاتلة من قاعدة "هويلس" الأمريكية في ليبيا، متجهة إلى غرب مصر، لتوجه ضربة قاصمة للمطارات المصرية وسلاح الجو المصري، وهو ما مهّد للهزيمة الكبرى في تلك الحرب.


قاعدة هويلس، التي تأسست عام 1943، لم تكن مجرد منشأة عسكرية تقليدية، بل كانت في وقت من الأوقات أكبر قاعدة أمريكية خارج الولايات المتحدة. وتمركزها في ليبيا، وتحديدًا على ساحل طرابلس، منح الولايات المتحدة موطئ قدم استراتيجيًا على مرمى حجر من قلب الوطن العربي.


والأخطر من ذلك، أن هذه القاعدة عملت في عهد الملك الليبي محمد إدريس السنوسي، الذي كان في تحالف مع الغرب. ولكن مع قيام ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 بقيادة العقيد معمر القذافي، تغيرت المعادلة. الرئيس الراحل أنور السادات، وبكل وعي، طلب من القذافي إغلاق هذه القاعدة وطرد القوات الأمريكية منها، وهو ما تم بالفعل.


تخيلوا لو أن هذه القاعدة ظلت قائمة حتى اندلاع حرب أكتوبر عام 1973؟ لكانت طائراتها انطلقت مجددًا، وهذه المرة لتقضي على الحلم المصري باسترداد الكرامة والأرض.


طعنات لا تُنسى


في خطاب التنحي الشهير، الذي ألقاه الرئيس جمال عبد الناصر مساء يوم الجمعة 9 يونيو 1967، قال عبارته الخالدة:

"كنا نتوقع أن تأتينا الطائرات الإسرائيلية من الشرق، ولكنها جاءت من الغرب!"


عبارة تختصر مأساة، وتُشير صراحة إلى أن الضربة الجوية الأولى لم تكن فقط بأيدٍ إسرائيلية، بل انطلقت من قاعدة أمريكية في أرض عربية مجاورة. كانت طعنة في الظهر بكل ما تحمله الكلمة من معنى.


الدرس الذي لا يُكرر


اليوم، ومع تزايد الحديث عن القواعد العسكرية الأجنبية في عدد من دول المنطقة، تُدرك مصر جيدًا ما يعنيه وجود قوة أجنبية على حدودها أو بالقرب منها. وتعلم أن القرار السيادي لا يُشترى، وأن الأمن القومي لا يُساوَم عليه.


قد تكون التحالفات ضرورية في بعض الأحيان، لكن الثقة العمياء في أي قوة أجنبية، هي بداية طريق للهاوية. ووجود قواعد عسكرية أجنبية في أي دولة عربية، سيظل خنجرًا موجهًا نحو خاصرة الأمة.


فهل ترحل القواعد الأجنبية؟


السؤال الأهم اليوم ليس فقط في ذكرى نكسة أو انتصار، بل في مستقبل هذه الأمة:

هل ترحل القواعد العسكرية الأجنبية من المنطقة؟

وهل ستدرك الشعوب، قبل الحكومات، أن وجود تلك القواعد لا يحمي، بل يُهدد، وأن التاريخ لا يرحم من لا يتعلم من أخطائه؟


الوعي هو السلاح الأول، والقرار المستقل هو الضمانة الوحيدة للبقاء.

تعليقات