القائمة الرئيسية

الصفحات

بصمة لا تُمحى

      ليست البصماتُ حكرًا على أطرافِ الأصابع، فثمّة بصمةٌ أعمقُ أثرًا، وأبقى حضورًا، تُودَعُ في نسيجِ الأرواحِ عبرَ اللسانِ، لا تُرى ولكن تُحَسّ، لا تُمسك ولكن تُخلّد.  
فالكلمةُ الصادقةُ، حين تخرجُ من قلبٍ نقيّ، تُصبحُ مرآةً لجوهرِ صاحبها، وتغدو أثرًا لا يُمحى، يُزهرُ في ذاكرةِ من سمعها، ويُضيءُ عتمةَ اللحظاتِ العابرة.
      إنّ اللسانَ ليس أداةَ نطقٍ فحسب، بل هو شاهدٌ على التربيةِ، ومُترجمٌ للأخلاقِ، ومِرآةٌ للنيةِ الخفيةِ التي لا تُدركها العينُ، ولا تُفسّرها الملامح.  
      فكم من وجهٍ جميلٍ أخفى خلفه لسانًا جارحًا، وكم من ملامحٍ عاديةٍ حملت بين ثناياها لسانًا يقطرُ حُسنًا ورفقًا، ويُشبهُ الدعاءَ في لحظةِ ضيق.
      الشخصيةُ الحقّةُ لا تُقاسُ بما يُرى، بل بما يُتركُ من أثرٍ بعد الرحيل، بما يُقالُ في غيابِك، لا في حضورِك، وبما يظلُّ حيًّا في القلوبِ، وإن غابَ الجسدُ.  
فاجعل من وجودِك بصمةً تُشبهُ النورَ، لا تُطفأُ مهما اشتدّ الظلام، وتُشبهُ العطرَ، لا يُنسى وإن غابَ المصدر.
     كن حديثًا يُروى، لا صدىً يُنسى، وكن أثرًا يُحسّ، لا صورةً تُمحى.  
ففي عالمٍ يزدحمُ بالوجوهِ، لا ينجو إلا من تركَ بصمةَ روحٍ، لا تُمحى.

قلم الأستاذة خديجة آلاء شريف 
17/09/2025
الجزائر

تعليقات