لستُ لحظةً بعيدة تنتظر عند آخر الطريق، ولا ظلًّا غامضًا يهبط فجأةً ليخطف أنفاسكم.
أنا معكم منذ أول صرخة، أنبض في قلب كل بداية، وأتربص في ثنايا كل نفسٍ يخرج من صدوركم.
أنا الموت الذي يولد فيكم كل يوم.
كل شعرةٍ بيضاء توقيعي.
كل تجعيدةٍ على وجوهكم وصمتي.
كل ارتعاشةٍ في أصابعكم إعلانٌ صغير بأنني أنمو فيكم بلا ضجيج.
لا أجيء من الخارج… أنتم تلدونني في أعماقكم، ترعونني بأيامكم، وتغذّونني بلحظاتكم المهدورة.
أنا الموت الذي يولد فيكم كل يوم.
ترقدون على وسائدكم وتظنون أن النوم راحة، لكنني أزحف في عروقكم بهدوء، وأقطف منكم زهرةً صغيرة لا تعود.
تضحكون عاليًا، فأقتطع من صدى ضحكاتكم جزءًا من الحياة.
تُحبّون بعمق، فأكتب على كل حبٍ وصيةَ وداعه.
أنا الموت الذي يولد فيكم كل يوم.
لا أحتاج إلى حربٍ ولا إلى سيف، يكفيني أن أكون الزمن الذي يسكنكم، الكلمة التي لم تقولوها، الخطوة التي لم تجرؤوا على اتخاذها.
أنا البذرة السوداء التي تكبر بصمت… حتى تصير شجرةً كاملة، لا ظل لها إلا النهاية.
ومع ذلك، لست خصمكم وحدي… فأنا أيضًا مرآةُ حقيقتكم.
كلما نظرتم إليّ، تذكّرتم أن لحظاتكم معدودة، وأن الحياة التي تتسرّب من بين أيديكم هي نفسها التي تفضح قيمتها.
أنا الموت الذي يولد فيكم كل يوم…
وأنا أيضًا الهمس الأخير الذي يقول لكم: عِيشوا الآن… قبل أن أصبح أنتم.
تعليقات
إرسال تعليق