أنا لست جفافًا في الحلق، ولا صرخة جسدٍ يطلب الماء.
أنا فراغٌ يقطن أرواحكم، نهمٌ أبدي لا يهدأ، وجرحٌ مفتوح يشرب منكم ولا يمتلئ.
أنا العطش الذي يرفض ارتواءكم.
تشربون حتى تمتلئ كؤوسكم… وتظل أرواحكم خاوية.
تُكدّسون المال… فيكبر الفقر داخلكم.
تطلبون الحب… فتزداد وحدتكم في كل حضنٍ ظننتم أنه خلاص.
تتسلقون مجدًا هشًّا… فيوقظ صدى التصفيق عطشًا أعنف مما كان.
أنا السراب الذي يلوّح لكم من بعيد، فإذا اقتربتم تلاشى، وإذا ظننتم أنكم أمسكتم به، انقلب بين أصابعكم غبارًا.
أنا اليد التي تدفعكم دائمًا إلى مزيدٍ من المحاولات، إلى رحلةٍ لا قرار لها… تبدأ منكم ولا تنتهي عندكم.
أغويكم بالوعد… وأترككم في التيه.
فلا مال يكفي، ولا حب، ولا أمان، ولا حتى إيمانٌ يُفهم كصفقة مع الله يضمن الطمأنينة.
لأنني خُلقت لأذكّركم أنكم لم تولدوا مكتملين، وأنكم في هذا الوجود غرباء، تبحثون عن وطنٍ بلا خريطة.
أنا العطش الذي يرفض ارتواءكم…
قد أكون لعنةً تلتهمكم، أو نعمةً توقظكم.
إن هربتم مني صرتُ قيدًا يحرقكم في الخفاء.
وإن واجهتموني، صرتُ البوصلة التي تدلّكم أن الحقيقة لا تُشترى ولا تُستعار… بل تُفتَّش عنها حتى آخر نفس.
أنا لست ماءً… ولن أعدكم بارتواء.
أنا السؤال الذي يطاردكم مع كل صباح:
ماذا ينقصني؟ وإلى أين يقودني هذا العطش الذي لا ينتهي؟
تعليقات
إرسال تعليق