لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة / عادل شلبي
هذه الحرب التي أطلق عليها الرئيس الأمريكي ترامب "حرب الـ 12 يومًا" بين إيران وإسرائيل، عندما شنت إسرائيل هجومًا مفاجئًا خاصة اثناء رحلات ساعات الفجر الأولى يوم 13 يونيو 2025م، بضربة استباقية من خلال غارات جوية مكثفة ضد أهداف داخل إيران. وقد أطلقت إسرائيل على هذه العملية اسم "الأسد الصاعد"، وكان الهدف منها منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
حتى لا تصبح إيران هي الدولة العاشرة في النادي النووي وهم أمريكا وروسيا والصين وانجلترا وفرنسا، والهند والصين اسرائيل وكوريا.
والآن، بعد أن سكتت أصوات المدافع والصواريخ، وانقشعت غيوم الدخان عن أرض المعارك، اجتمع المفكرون والعسكريون ومراكز الدراسات الاستراتيجية في مختلف أنحاء العالم لدراسة كل أحداث هذه الحرب، بهدف تحليلها والخروج بأهم الدروس المستفادة التي يمكن تكرارها مستقبلًا عند إدارة أي حرب قادمة او نقاط الضعف التي يجب تجنبها.
ومع بدء القتال فجر يوم 13 يونيو، شن الجيش الإسرائيلي خمس موجات من الضربات الجوية، شملت أكثر من 200 غارة، وأسقط خلالها 220 قذيفة على حوالي 100 هدف داخل إيران، مستخدمًا طائرات F-35 إسرائيلية. وشملت الأهداف المنشآت الإيرانية "نطنز" و"فوردو" و"أصفهان" واراك وكرمنشاة وتبريز وطهران وبوشهر.
وفي نفس الوقت، شن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي عمليات استهدفت القضاء على عدد من العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين. من بينهم: اللواء محمد باقري رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، واللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري، كذلك قُتل عدد من أبرز العلماء النوويين، منهم محمد مهدي طهرانشي رئيس جامعة آزاد في طهران، وأحمد رضا ذوالفقاري وآخرين من العلماء البارزين. كما استهدفت الضربات شخصيات أمنية واستخباراتية.
وبلغت مساهمة عملاء الموساد الموجودين في إيران حدًّا كبيرًا في نجاح هذه الضربة، إذ يكفي أن نذكر أن الصواريخ التي أصابت منزل رئيس الأركان الإيراني في شقته التي كان يسكن فيها، وأدت إلى تصفيته هو وابنته، كانت نتيجة إشارة مباشرة من أحد عملاء الموساد في إيران، الذي حدد موقع الشقة بدقة، فأصبحت الهدف المباشر للصاروخ الموجه من الطائرة الإسرائيلية.
وتمكنت الضربات الإسرائيلية الأولى من إصابة معظم الدفاعات الجوية الإيرانية ومنظومات الإنذار المبكر والرادارات، حتى أصبحت السماء الإيرانية مفتوحة تماما أمام الطيران الإسرائيلي لمدة 12 يوم، إلا أن ضرباتها ضد المنشآت النووية لم تكن بنفس القوة والتأثير. فقد كانت إيران قد نجحت خلال السنوات الماضية في نقل عدد كبير من مفاعلاتها النووية إلى أعماق باطن الأرض بين الجبال أو إلى مواقع سرية محصنة يصعب استهدافها.
فعلى سبيل المثال، عندما هاجمت الطائرات الإسرائيلية منطقة "نطنز"، التي تُعد عاصمة البرنامج النووي الإيراني، لم تنجح الضربات في تدمير المفاعلات كما كان مخططًا لها.
وحتى الآن، لا يعلم أحد النتائج الحقيقية لهذه الضربات ضد الأهداف النووية الإيرانية؛ فلقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تلك الأهداف النووية قد تم تدميرها بالكامل، بينما رفضت إيران الكشف عن حقيقة ما جرى، بل ومنعت دخول عناصر المنظمة الدولية للتفتيش من أجل التحقق من نتائج الضربة.
ومن خلال بدء التحليلات والخروج بالدروس المستفادة، نجد أن إسرائيل نجحت بالفعل في تحقيق "المفاجأة الاستراتيجية" على إيران، على غرار ما نجحت فيه مصر عام 1973 عندما حققت المفاجأة الكبرى ضد إسرائيل في حرب أكتوبر المجيدة.
وقد كان الخداع الاستراتيجي، في الهجوم الذي شنته إسرائيل، بمباغتة إيران بتوقيته، قبل يومين من موعد عقد جلسة المفاوضات السادسة، والتي كانت مُقررة يوم الأحد الموافق ١٥ يونيو، بين وفود كل من إيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة، في سلطنة عمان، للاتفاق على حل نهائي يضمن عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، خاصة وأن الرئيس الأمريكي قد هدد بأن عدم التوصل إلى اتفاق، في ذلك اليوم، من شأنه اتخاذ إجراءات حاسمة ضد إيران.
كذلك، كان من بين عوامل المفاجأة التي استغلتها إسرائيل، إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إقامة حفل خطبة نجله الأسبوع القادم، وهو ما أعطى انطباعًا لدى القيادة الإيرانية بأن رئيس الوزراء سيكون منشغلًا بترتيباته العائلية، وبالتالي من غير المرجح أن يصدر قرارًا بهجوم عسكري واسع النطاق في هذا التوقيت.
وقد وقع الساسة الإيرانيون، ومعهم كبار القادة العسكريين في طهران، في خطأ جسيم حين توقعوا أن أي عمل عسكري إسرائيلي لن يتم قبل يوم الأحد على أقصى تقدير. وكان هذا مخالفًا تمامًا للمبادئ العسكرية التي تؤكد على ضرورة الجاهزية القتالية الدائمة، خصوصًا في أوقات التوتر والمشاحنات الإقليمية، حيث لا يمكن الركون إلى الحسابات السياسية أو الاجتماعية للعدو.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل ساهم أيضًا إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عن نصحه لإسرائيل بعدم القيام بأي عمليات عسكرية ضد إيران في هذا التوقيت، في تضليل القيادة الإيرانية، التي ركنت إلى هذه التصريحات واعتبرتها مؤشرًا على هدوء الوضع.
وهكذا حققت إسرائيل المفاجأة الاستراتيجية ضد القوات الإيرانية، كذلك نجحت في استخدام العملاء والجواسيس لمعاونتها في تنفيذ الخطة. حتى أن إيران، بعد نهاية الحرب، أعلنت القبض على 800 من الإيرانيين الذين كانوا يعملون لصالح إسرائيل خلال الحرب.
وفي المقال القادم، سأعرض باقي الدروس المستفادة الأخرى من هذه الحرب الإيرانية – الإسرائيلية.
تعليقات
إرسال تعليق