القائمة الرئيسية

الصفحات

" كلنا نغني ... ونابل تغني " على ركح مسرح الهواء الطلق بنابل

 هنا نابل  

بقلم: المعز غني  




على مدرجات مسرح الهواء الطلق في نابل، في ليلة من ليالي أغسطس الدافئة، كانت النجوم شاهدة على حدث استثنائي اندرج في القلب تحت عنوان "كلنا نغني... ونابل تغني". كان ذلك مساء الخميس 14 أوت 2025، في إطار فعاليات الدورة السابعة والثلاثين لمهرجان نابل الدولي، حيث تضافرت لحظات الطرب والانفعال، لتحقق سهرةً لا تحدث إلا في الأحلام.


منذ الساعات الأولى للمساء، بدأت الجموع الغفيرة تتوافد، وكان الحضور النسائي لافتاً بشكل غير مسبوق. بدت مدرجات المسرح، وقد اختارت جل السيدات ارتداء الأبيض، كأنهن موج البحر حين يشتد النور فوقه، في تآلف وتناسق كسر رتابة الأيام وأضفى على المكان بهاء أدهش حتى أقدم متابعي المهرجان. أما مشاعر الترحيب فقد انسكبت في الممرات، حيث تتعالى الضحكات وتختلط باللهفة، انتظاراً لانطلاق حفل قالت عنه المدينة بأسرها: "سهرة الامتاع".


عندما دقت الساعة، أطلت الفرقة الموسيقية بقيادة الشاب المبدع جهاد جبارة، الذي أثبت مرة أخرى أن الموهبة حين ترافقها الحنكة تخلق فناً استثنائياً يعبر الزمان والمكان. تولى جبارة القيادة بكل اقتدار وحرفية، فأطلق العنان لآلاته لتروي حكايات الشجن والفرح، وليصبح الجمهور شريكًا فعليا في العرض حين أخذ يغني مع الفرقة معظم الأغنيات، لوّح بالأيدى وصفق بنشوة وكأنه يعيش عرساً جماعياً تحت نجوم مدينة نابل الوعدة.


ليلةٌ غنت فيها نابل فغنت معها القلوب، واكتملت فيها عناصر السحر: موسيقى عذبة، حنجرة لا تنضب، تفاعل وصوت جمهور، أنوثة بيضاء تصطف على شرفات الذوق، كل ذلك كان بمثابة لوحة فنية حيّة، خطت تفاصيلها أصوات الناس وذكريات المدينة. لم تكن الأغاني مجرد كلمات وألحان، بل تحولت إلى جسر بين الماضي والحاضر، رددها الناس لأول مرة وكأنهم يتعرفون من جديد على نغمة الحياة في مدينتهم، نابل.


ولم يكن بالإمكان إغفال ملامح العائلات التي اصطحبت أطفالها، والشباب الذين وجدوا في العرض مساحة لتفريغ طاقاتهم وغبطتهم، ليختلط صوت الضحك بصدى الموسيقى، ولتتحول السهرة إلى فسحة زمنية مُضيئة في امتداد السنة المرهقة.


من بين الأغاني التي زلزلت المدرجات تلك التي احتفت بالنخوة والحب والانتماء، ليتحول المسرح في وهلة واحدة إلى محطة يعبر فيها الجميع من عوالمهم الخاصة نحو بحر من الفرح الجماعي. وبدت لحظات انسجام القائد جهاد جبارة مع فرقته أكبر من مجرد عرض فني، فقد كانت رسالة أمل وصلت إلى الحاضرين مفادها أن الفن في نابل لا يزال حياً نابضاً بالابتكار والإحساس.


طيلة السهرة، لم يفقد الجمهور حماسه للحظة واحدة، وظل يشعل المدرجات بأغانيه وتصفيقاته حتى النهاية. وحين أسدل الستار على تلك الليلة، أحس الجميع أن ذكرى السهرة ستظل عالقة في أرواحهم، وأن نابل، بفضل مهرجانها الدولي وجمهورها الذواق وشبابها الواعد، كانت ولا تزال مدينة تغني وشعبٌ يضيء لياليها بالفرح والحلم.


ختامها كان مسكاً ـ، وبقيت ملامح السعادة مرسومة على الوجوه، وحكاية الأمس تمررها الأجيال القادمة بأنغام الموسيقى البيضاء على ركح نابل... مدينة كلنا نغني... ونابل تغني.

تعليقات