الإخبارية نيوز :
بقلم : نبيل أبوالياسين
في ظل صمت دولي مُخجل، يأتي قرار تركيا بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل ليدق ناقوس الخطر، وليطرح سؤالًا حاسمًا: هل هذه هي البداية؟ في مشهد إنساني مأساوي تتزايد فيه أعداد ضحايا المجاعة في غزة، وتتجاوز أعداد الأطفال الذين تيتموا 49 ألفًا، يقف العالم عاجزًا عن تقديم المساعدة، في حين تستمر آلة الحرب الإسرائيلية في طحن الأرواح. هذا القرار التركي، وإن كان متأخرًا، إلا أنه يُعد خطوة مهمة قد تُشعل شرارة التغيير، وتُعيد للأمة كرامتها المفقودة، فهل ستلحق الحكومات العربية والإسلامية بهذا الركب، أم ستظل أسيرة للضغوط والمصالح التي تعيقها عن اتخاذ موقف أخلاقي وإنساني؟.
قرار تركي حاسم.. حصار اقتصادي وجوي
أعلن وزير الخارجية التركي، أن بلاده قررت قطع جميع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، وإغلاق الأجواء التركية أمام طائراتها. هذا القرار، الذي كشفت عنه صحيفة جلوبس العبرية، شمل وقف حركة السفن من الموانئ التركية إلى إسرائيل بشكل كامل، وحظر رسو السفن التركية في الموانئ الإسرائيلية، ومنع أي حركة شحن لها صلة بإسرائيل، بما في ذلك الحاويات التجارية. وأشار الوزير إلى أن هذا القرار يأتي ردًا على عدم سماح إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهي السياسة التي أدت إلى مقتل آلاف الفلسطينيين. هذه الخطوة، وإن كانت متأخرة، إلا أنها تضع إسرائيل أمام تحدٍ اقتصادي كبير، وقد تساهم في إحداث ضغط حقيقي لوقف عدوانها.
ضغوط دولية متزايدة وتحولات في المواقف
لا يأتي قرار تركيا منفردًا، بل هو جزء من ضغط دولي متزايد على إسرائيل. وزير الخارجية الإسباني أعلن أن بلاده ستدعو إلى توسيع قائمة العقوبات ضد إسرائيل، وستطلب منع بيع الأسلحة الأوروبية لها. كما أن الاتحاد الأوروبي سيعاود محادثاته بشأن كيفية الضغط على إسرائيل، واقترحت هولندا والسويد تعليق الجانب التجاري من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وحتى بريطانيا، الحليف التقليدي لإسرائيل، قررت تقييد مشاركة مسؤولين إسرائيليين في معرض سلاح، وهو قرار وصفته وزارة الدفاع الإسرائيلية بـ "المسيء والمخزي". هذه التحولات في المواقف الأوروبية، مدعومة بتصريحات قوية من مسؤولين مثل وزير خارجية أيرلندا، الذي دعا إلى "أفعال تضاهي حجم ما تفعله إسرائيل"، تؤكد أن صبر المجتمع الدولي بدأ ينفد.
تداعيات استراتيجية ورهانات مستقبلية
لا يقتصر القرار التركي على كونه خطوة دبلوماسية اعتيادية، بل يمثل تحولاً جيوسياسياً عميقاً قد يعيد رسم تحالفات المنطقة. فبقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية، تضع أنقرة إسرائيل أمام مرحلة جديدة من العزلة المتزايدة، وتفتح الباب أمام تحالفات إقليمية بديلة. هذه الخطوة الجريئة قد تشكل سابقة تؤثر على حسابات القوى الدولية، خاصة مع تنامي الضغوط الأوروبية على الكيان المحتل. كما أن توقيت القرار، وسط تصاعد المأساة الإنسانية في غزة، يضعه في إطار معركة الضمير العالمي، حيث أصبح الصمت تجاه الجرائم مرادفاً للتواطؤ. والآن، ينتظر العالم ليرى هل ستتحول هذه الخطوة إلى حركة جماعية تعيد الاعتبار للأخلاقيات الدولية، أم ستظل مجرد استثناء في تاريخ الصمت العربي المخزي؟
تصريحات نازية ومستقبل مجهول
في خضم هذه الضغوط، تزداد حدة تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، التي وصفها الكثيرون بالنازية. حيث توعّد سموتريتش، وزير المالية، سكان غزة بقطع المياه والكهرباء والطعام عنهم، مؤكداً أن "من لا يموت بالرصاص سيموت جوعًا". هذه التصريحات، التي وصفتها حماس بأنها اعتراف صريح بسياسة الإبادة، تؤكد أن حكومة الاحتلال تتعطش لدماء الأبرياء. هذا التوجه المتطرف لا يقتصر تأثيره على المنطقة فقط، بل يهدد مستقبل إسرائيل نفسها، حيث كشف تحقيق صحفي إسرائيلي عن قلق من تراجع الدعم لها في صفوف الجمهوريين الأمريكيين، وخاصة الجيل الشاب، وهو ما قد يؤثر على التحالف الاستراتيجي الذي طالما اعتمدت عليه إسرائيل.
ختامًا: أي موقف للعرب؟
في ختام هذا المشهد، وبعد أن اتخذت تركيا خطوة جريئة بقطع العلاقات التجارية، وبعد أن بدأت دول أوروبية تراجع سياساتها وتتجه نحو فرض العقوبات، يبقى السؤال الأهم والأكثر إلحاحًا: ماذا سيفعل العرب؟ هل ستظل الحكومات العربية والإسلامية صامتة أمام المجازر، وتكتفي ببيانات التنديد الخجولة؟ أم أن هذا القرار التركي سيكون الشرارة التي تُشعل صحوة عربية وإسلامية حقيقية، تُترجم فيها الكلمات إلى أفعال؟ لقد حان الوقت لأن تدرك هذه الحكومات أن مصالحها الحقيقية ليست في التطبيع مع كيان يمارس الإبادة، بل في الوقوف صفًا واحدًا مع شعوبها، ومع أشقائهم في غزة. فالتاريخ لن يرحم، ودماء الأطفال الأبرياء ستظل وصمة عار على جبين كل من تخاذل وتخلى.
تعليقات
إرسال تعليق