القائمة الرئيسية

الصفحات

 هنا نابل/ بقلم المعز غني                    


                      



هنا نابل، أكتب إليك يا صاحبي... أكتب عن الصداقة التي تشبه عطر الياسمين في ليل الصيف، تملأ الروح وتنعش القلب دون أن تطرق الأبواب. 

تعلم يا صاحبي أنّ أجمل اللحظات في الحياة ليست تلك التي خطّطنا لها طويلًا، بل تلك التي باغتتنا ونحن غارقون في تفاصيل أخرى. 

ربما جاءتك ضحكة صافية من صديق لم تكن تتوقع منه فتجده ينقذك من غمامة يوم ثقيل، أو كلمة صادقة جاءت في وقتها فأزاحت عن قلبك بعضًا من الهموم.  

الصداقة، يا صاحبي، يا زنيلي،كالملاذ حين تضيق بنا الحياة وتتخبط بنا الأقدار. 

كم مرة شعرنا فيه بالتيه، فكان الصديق هو النجم الذي يدلّنا على طريق العودة إلى أنفسنا؟ جلستنا الطويلة على المقاهي، أو مشينا في الشوارع المبلّلة عقب المطر، كل تلك التفاصيل الصغيرة تحمل من المعنى ما يفوق أعظم الوقائع.  


الحياة، يا صاحبي، تشبه كتابًا لا نعرف ما في صفحاته القادمة، لكننا نواصل قراءته لأننا نؤمن أن هناك فصلًا جميلًا ينتظرنا. وهكذا هي الصداقة ...! لا نخطط لها ولا نعرف متى تبدأ أو تنتهي، لكنها حين تباغتنا، تصبح جزءًا من قصّتنا، من حكايتنا التي نصنعها معًا عبْر الزمن.  


أحيانًا نظن أن الصفحة التي أمامنا هي النهاية، و نخال أوجاعنا لا علاج لها، لكننا ما أن نسمع صوت صديقنا أو نقرأ منه رسالة قصيرة حتى نكتشف أن هذه النهاية الظاهرة ما هي إلا بداية لفصل جديد لم نكن نتوقعه. 

الصداقة تعيد ترتيب الفوضى بداخلك، تذكّرك بنقاط النور الكامنة فيك، وتعيدك إلى الحياة حين تظن أنك فقدت كل شيء.  


نحن نعيش في زمن، يا صاحبي، يمتحن صبرنا ويختبر فينا الإيمان، يمرّ بنا من الناس ألوان لم نكن نعرفها، ونتفاجأ بوجوه تختبئ خلف أقنعة ...! لكنك حين تجد صديقًا صادقًا،صدوقا مخلصا، فإنك تكتشف معنى الطمأنينة، وتدرك كم هو ثمين أن يكون لك شخص يسمعك حين تصمت، ويفهمك حين تتلعثم الكلمات.  

كل درس نتعلمه، وكل جرح نلتئم منه، هو حجر صغير في الطريق الذي يقودنا نحو النسخة الأقوى من أنفسنا، ومعظم هذه الدروس تكون الصداقة هي شاهدها الأول، أو ضوءها الذي نفهم به العالم.  


صديقي، فلنهدأ… ونثق… ونترك للأقدار تعمل بطريقتها، لأننا حين نصل سندرك أن كل ما حدث، حتى الألم، كان ضروريًا لنكتشف معدن صداقاتنا، ونقيس مقدار وفائنا لبعضنا البعض.  

ليست الصداقة علاقة عابرة أو صحبة طريق، بل هي شجرة تثمر في أرواحنا، لا تذبل مهما اجتاحتنا رياح التعب و صواعق الأيام. مع الصديق تصبح تفاصيل الحياة أكثر صدقًا، وتغدو المعارك ممكنة، والانتصارات أجمل وأعمق.  


أما عني فقد علّمتني الأيام أنّ الصداقة ليست مجرّد مواساة، بل هي حوار مستمر مع الذات في مرآة الآخر، دعوة دائمة لنصبح أجمل وأصدق. ولو سألتني عن أجمل ما عشته يوما، لقلت لك: هو ذلك الشعور بأنني حين أضعف، هناك من يرفعني؛ وحين أضل، هناك من يرشدني لطريق الصواب، وحين أفرح، هناك من يضحك معي من القلب.  

هكذا هي الصداقة.  

ولأجل ذلك، دعنا، يا صاحبي، نحفظ ودّها ونحميها من غدر الأيام، فنحن بها نستطيع أن نواصل السير في كتاب الحياة ونؤمن أن القادم، مهما غمض، يحمل لنا دائمًا فصلًا جميلا ورفقة طيبة...  

هذا هو الدرس الأسمى الذي تعلّمته وترسخ في قلبي مع الأيام.  

هنا نابل... ما تزال مجالس الأصدقاء هي زاد الأرواح، وما زالت الصداقة أجمل ما في هذا العمر.

تعليقات