القائمة الرئيسية

الصفحات

الموقف من الاتحاد العام التونسي للشغل



بقلم د. ليلى الهمامي


شهدت الساحة الاجتماعية مواجهة بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل، مواجهة كانت في سياق انكسار مسار التواصل بين الطرفين: الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية الاساسية في المشهد الاجتماعي التونسي، كان قد ساند 25 جويلية، ودعم تلك العملية، واتخذ مواقف نقدية من تجربة كان هو جزء منها من 2011 الى غاية 2021. 

الاتحاد كان طرفا أساسيا في تشكيل حكومات ما بعد 14 جانفي 2011... الاتحاد كان طرفا اساسيا في التفاوض لا فقط على السجل الاجتماعي، بل ىيضا على السجل السياسي: مكّن من اعادة الديناميكية السياسية الى مسارها السلمي، بعد الاغتيالات السياسية التي طالت زعامات، من ابرزها الزعيم الراحل شكري بالعيد (الذي تم اغتياله تحت حكم الترويكا التي تراسها حركة النهضة). 

الاتحاد، في علاقة بالتاريخ المعاصر لتونس، شهد مواجهات مع حكومات الهادي نويرة (26 جانفي 1978) وحكومة المزالي سنة 1985، في علاقة بزعامة الحبيب عاشور ومشكل الخلافة. كان هنالك نزاعا قائما، لكن الاتحاد تمكن، من خلال وضع غريب لا نمطي، من ان يكون، في ذات الوقت، نقابة وحزبا سياسيا. 

الاتحاد العام التونسي للشغل وقف مواقف سياسية داعمة للعراق، لعراق صدام حسين، ضد ما اصطلح على تسميته بالعدوان، وهو عدوان فعلي عدوان غربي... الاتحاد غض النظر عن احتلال صدام حسين للكويت. وبقطع النظر عن حيثيات ما حصل، كان ذلك موقفا سياسيا، موقف حزب سياسي: الاتحاد يدعم القضية الفلسطينية من جهة، لكنه في دعمه للقضية الفلسطينية، جعل منها احدى ركائز التمشي العام لسياساته... 

بالطبع هذه الواجهات في علاقة بالاستحقاق القومي العربي، في علاقة بالساحة العربية، هي واجهات يحركها الاتحاد متى عجز عن المواجهة، متى عجز عن عن تحريك الساحة الاجتماعية... 

يذكر ان الاتحاد عاش مرحلة شبه سبات طيلة 23 سنة من حكم الرئيس الراحل زين عبد بن علي... 

يعني انه كانت هنالك هدنة اجتماعية بين حكم الرئيس بن علي وبين المركزية النقابية، سرعان ما انقلب الاتحاد بعدها وإثر 14 جانفي 2011 ليتحول الى راعي حوار ... هذا الحوار الذي مكن من تجنب المواجهة، كما اسلفت ذكره، مع اليسار على خلفية اغتيالات شملت محمد الابراهمي ومن قبله شكري بلعيد. 

واضح ههنا أنه يوجد اشكال حقيقي لا فقط في التكتيكات الظرفية في علاقة بالاتحاد، في علاقة بحسابات السلطة، التي يبدو انها تواجه استحقاقا عاجلا في علاقة بالعودة السياسية... ضغوطات اقتصادية ومالية، والحاجة الى ساحة اجتماعية هادئة. 

لكن عملية التهدئة في هذه الحالة، تحتاج الى أصوات خافتة، وفق المعطيات -على الأقل- المتوفرة، تحتاج أن يكون الاتحاد خارج الخدمة، وأن ينغمس في اشكاليات تنظيمية داخلية، تلك الاشكالية التنظيمية الداخلية التي لم تعطي النتائج المرجوة من الاطراف المعادية للمركزية النقابية... 

الاتحاد، بكل تلويناته، يتوحد ويلملم صفوفه عندما يكون هناك خطر داهم من خارجه... 

هذه دروس التجارب الماضية، حتى وان كان شعار مناهضة البيروقراطية النقابية شعار، المعارضات النقابية التي تتالت على بطحاء محمد علي... 

لكن في كل الحالات ثمة اشكال حقيقي في مستوى البلاد، ثمة مشكل في مستوى الاقتصادي والمالي: ليس لدينا ما يكفي لتمويل التنمية، هنالك اشكالية كبرى في مستوى التشغيل، هنالك اشكال حقيقي في علاقة بانهيار المقدرة الشرائية وانهيار الطبقة الوسطى... كل هذه الاشكاليات تلقي بظلالها على الساحة الاجتماعية وايضا تمثل معطلا اساسيا لامكانية تواصل تنازل الاتحاد عن دوره الطبيعي في ان يكون المدافع، وفي ان يكون صوت الطبقات العامله والشرائح الاجتماعية المهمشة... 

هذه اشكالية حقيقية نتابعها واتابعها شخصيا، مع انني اؤكد على ان النقابات ضروري ان تبقى نقابات، وان ليس للاتحاد ان يكون تلك المرجعية التحكيمية التي مكنته منها بعض الاطراف السياسية العاجزه. الاتحاد لا يمكنه ان يكون فوق الاحزاب. الاتحاد نظريا ومرجعيا هو تنظيم اجتماعي نحترمه، له تاريخ مشرف في النضال الوطني، لكن ليس للاتحاد ان يكون فوق الاحزاب، ولا ان يكون سلطة تحكيمية... تماما كما ان ضرب الاتحاد لا يمكن ان يفضي الا الى انفلات شامل.

تعليقات