القائمة الرئيسية

الصفحات

 --------

هنا نابل /بقلم المعز غني




يحدث فقط عندنا… أن تتحوّل لحظات الوداع الأخيرة إلى مسرح للهو والضحك، بدل أن تكون ميدانًا للخشوع والترحم.


قبل يومين، حضرتُ وليمة عزاء، وكان المشهد صادماً لروحي قبل عيني. رأيتُ بعضهم يتبادلون النكات، وآخرين يقهقهون بملء أفواههم، والبعض يخوض في أحاديث عن الدنيا وكأن الميت الذي جئنا من أجله لا يعنيهم في شيء.


سمعت أحدهم يسأل: "أين الطعام؟" فجاءه الجواب ساخرًا، فضحكوا جميعًا، وإرتفعت الأصوات كما لو كنا في جلسة مقهى، لا في بيت عزاء.


أما صاحب المأتم، فكان جسدًا بلا روح. ملامحه حزينة، قلبه مثقل بالفقد، ودموعه محبوسة خلف جفون متعبة. جاءه أحد أقاربه يطلب ماءً، فلما أحضره، قال له ببرود: "ليس بارداً… وهل نسيت الكأس؟"

تخيلوا ...! الحزن يقتله، والتعب ينهكه، وهو يهرع بين الداخل والخارج يحمل على كتفيه همّ الفقد وهمّ الضيافة.


في ركنٍ آخر، كان هناك بعض حفظة القرآن يتلون كلام الله، وأصواتهم تخترق سكون القلوب … لكن قلة قليلة فقط كانت تنصت. أما البقية، فمشغولون بأحاديث جانبية وضحكات عالية، لا يليق صداها بمقام الموت.


وحين جاء وقت الطعام، إرتفعت الضوضاء أكثر؛ ملاعق تتبارز في الصحون، وأصوات تطالب بالمزيد من اللحم أو نوع مختلف من المشروبات، وأخرى ترفض المرق لأنه “مضر بالمعدة”، وبعضهم يقفز من طاولة إلى أخرى كما لو كان في وليمة فرح لا عزاء.


كنتُ أراقب وجوه أهل الميت، وقد علاها القلق: هل يكفي الطعام هذه الجموع أم لا؟ وفي قلبي، كنت أستعيد صورة الفقيد، مواقفه، إبتسامته، وأيامه بينهم.


فأقولها من القلب: رجاءً … لا تزيدوا أهل الميت هماً فوق همّهم، ولا تحوّلوا لحظة الحزن إلى سوق للضحك والطعام.


اللهم ردّنا إليك ردّاً جميلاً.


------

تعليقات