القائمة الرئيسية

الصفحات

**صيف تونس... بين مهرجانات الفرح وصهيل الجراح**

 **هنا نابل / بقلم المعز غني **




ها هي شمس الصيف تشرق، فتتدفق عبر ربوع تونس الخضراء حياة وضياء. 

من أقصى الشمال حيث مهرجان بنزرت العريق، مروراً بقلب العاصمة حيث قرطاج يفتح مدرجه العتيد على مصراعيه للفنانين من كل بقاع الأرض، وصولاً إلى الجنوب حيث بن قردان وأحوازها، تتزين المدن وتتفاخر القرى مع بدء موسم المهرجانات الصيفية.


ليالٍ مُطرّزة بألحان العود وأنغام الجاز والأهازيج الشعبية، يختلط فيها العَرَقُ بعبق الياسمين والفل، فتبدو تونس وكأنها تغدو عروساً مزينة بفستانها الأبيض عند كل ليلة من ليالي المهرجانات.

 هنا مهرجان قرطاج الدولي يحجز لنفسه مكانة بين أعرق مهرجانات العالم، يستضيف كبار نجوم الفن العربي على سبيل - المثال لا الحصر : نجوى كرم - مي فاروق - أصالة نصري - الشامي - والغربي عديد الفرق الأجنبية والخ ...

 . وهناك مهرجان الحمامات فسيفساء ثقافية وفنية، يُطل علينا بأنامل التشكيليين وإبتسامات المسرحيين وضحكات الأطفال، ثم تمضي المسيرة لتتوقف قليلاً في صفاقس، المنستير، قفصة، جربة، مدنين... والسلسلة أطول من أن تُختصر في كلمات.


قديماً قيل: «الفن لغة الشعوب وثقافتهم»، فمنذ عقود وتونس تخرج للعالم من نافذة مهرجاناتها، ترسل رسائل الحياة والتلاقي والحوار والتعدد، وتمنح أبناءها وزوارها فسحة من الأمل.


** لكن... وأي لكن هذه **

تتراقص الأضواء على مسارح المهرجانات، وبين حناياها يتردد صدى الضحك والغناء، وفي القلب غصّة لا يغني عنها حفل أو مهرجان، ولا تشفيها أعذب أصوات الطرب ولا أروع القصائد.

 ففي الركن الآخر من عالمنا العربي، هناك غزة الأبية المنكوبة، المدينة الصغيرة الجريحة، المفتوحة جراحها على مرمى الكاميرات والعواصم والمهرجانات.


يا وجوه الفن ويا نجوم الشهرة ويا مؤثري ومؤثرات العالم العربي: كيف لبريقكم أن يكتمل وهناك عتمة في غزة؟ كيف يُحتفى بالفرح فيما تُكتب المأساة بحبر الدم والدمع؟


أي قلوب تملكون؟ صنعتكم الشعوب، وصنعت منكم صوتها ورمزها، حملتكم من صخب الشوارع وبداهة البسطاء إلى عالم الأضواء والشهرة والمال.

 اليوم، فيما تُباد براءة الأطفال في وضح النهار، ماذا قدمتم يا من أصبحتم صنعتنا؟ غير حفلاتٍ صاخبة وبرامج مثقلة بالتفاهات، وإلهاء الناس عن واجبهم الأخلاقي والإنساني تجاه قضايا الأمة الجوهرية.


أسأل كل واحد فيكم: لو شُرّد أهلك وذُبّح أطفالك ودُمرت بيوتك في ليلة ظلماء، هل كنت سترقص وتغني في مهرجان، أم كنت ستنتظر نصرة من أقربائك وجيرانك وأهلك وأبناء أمتك؟


صمتكم جريمة... كل متخاذل عن نصرة البراءة التي تُباد في غزة ليس شيطاناً أخرس فحسب، بل شريك في الجريمة، وكاتم لصوت الإنسانية. 

عار على الأمة أن تظل متفرجة على المحرقة الحديثة، فيما أصوات الاحتجاج تعلو في أوروبا وفي أنحاء العالم، ينفضون الغبار عن ضمائرهم وأصواتهم، ومنا من تلهيه الحفلات والأضواء.


أصدقاء الفن، يا من حملتم الميكروفونات والآلات في قصور الليل وفي حقول الضوء: لا تبقى الفرجة سيدة الموقف. 

التاريخ لا يرحم ولن يغفر ،من لا يتخذ موقفاً الآن، فليراجع إنسانيته ودينه وخياره بين نصرة المظلوم أو التواطؤ مع الظالم.


** على هامش صيف الفرح وإحتفالات الليل **


بلادي جميلة، وشعبي كريم، والفن رسالة سامية. ولكن حين يصبح الفن رفاهية مقطوعة الجذور عن عذابات الواقع، يصبح ترفاً جافاً يفتقد روحه. 

نحن شعب زرع قيم النخوة في كل حبة زيتون، وفجرّ مواجعه في كل أغنية وقصيدة، عرفنا الشرف والرجولة والشهامة منذ آلاف السنين.


يا أبناء الأمة الإسلامية

تعليقات