قلم عبد الله معروف
متابعة عادل شلبي
منذ أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة، لم يعد الشعب الفلسطيني يعيش حياة طبيعية، بل انتقل من صمودٍ مشرف أمام الاحتلال إلى واقعٍ مرير تحكمه يد من حديد، مليئة بالبطش والفساد والجشع. تحوّل القطاع إلى سجن كبير، وحُرم الناس من أبسط حقوقهم، بينما وُظفت المقاومة كشعارٍ لتبرير السيطرة، وقُدمت التضحيات الشعبية وقودًا لمصالح القيادة.
سنوات من المعاناة عاشها أهل غزة؛ شباب يعملون بأجرٍ لا يكفي حتى لسد رمق يومهم، بطالة متفاقمة تدفع بعضهم للانتحار، وارتفاع في نسب الطلاق نتيجة الفقر والقلة، فيما قيادات الحركة تبني القصور وتتنعم بالمال والسلطة والنساء والسيارات. ملايين الدولارات تدفقت من الأنفاق والمساعدات الخارجية، لكنها لم تُوجّه للشعب كما يُزعم، بل ضاعت بين الاستثمارات الخاصة والمشاريع الوهمية والشركات التي يديرها المقربون.
في الوقت الذي كان الناس يموتون جوعًا، كانت تُشيد مساجد فخمة بتكاليف خيالية كالمسجد الأبيض ومسجد الميناء ومسجد هنية ومساجد في رفح وخان يونس والشمال، في مشهد صارخ لانفصال القيادة عن واقع الناس. المساعدات التي جاءت باسم الشعب حُوّلت إلى ريع لحركة حماس وذراعها العسكري، وما تبقى منه وُزع بفتات لا يسد جوعًا ولا يعالج وجعًا.
الأدهى أن البحر، المتنفس الوحيد للفقراء، تحوّل إلى منتجعات خاصة لبعض أبناء الحركة وأسمائها النافذة، أُقيمت فيها شاليهات ومطاعم فاخرة لا يجرؤ المواطن العادي على دخولها. وفي الوقت نفسه، يُطارد الشاب البسيط الذي يجر عربة يبيع عليها الذرة المشوية أو المشروبات البسيطة، ويُفرض عليه أن يدفع رسومًا وإيجارات تفوق أضعاف ما يربحه من يومه. حتى لقمة العيش تحوّلت إلى باب جباية.
وعلى الصعيد السياسي والفكري، لم يكن المشهد أفضل. فقد صار مجرد الاستماع إلى أغنية لفتح أو تذكّر ماضٍ طلابي في الشبيبة الفتحاوية تهمة كافية للاعتقال والتعذيب. كثيرون دُفعوا أثمانًا باهظة لمجرد أنهم لم يكونوا على خط واحد مع الحركة. كل من رفع صوته بالانتقاد، أو تساءل عن مصير الأموال والموارد، كان يُتهم بالعمالة ويُساق إلى مقار الأمن الداخلي، حيث ينتظره التعذيب وربما الاختفاء.
في هذه الصورة القاتمة، تختفي الرحمة التي أوصى بها الإسلام. لا أثر لقول الله تعالى "رُحماء بينهم"، ولا لسيرة النبي الذي جسّد الرحمة والعدل، ولا لعمر بن الخطاب الذي حكم العالم بملابس مرقّعة لكنه أغنى الناس بالعدل. على النقيض، يتصدر المشهد قادة كإسماعيل هنية وفتحي حماد ومحمود الزهار وآخرون، يركبون سيارات الدفع الرباعي الفاخرة ويعيشون حياة الترف، بينما يترك الشعب يغرق في الفقر والبطالة والحصار والمخدرات والانتحار.
اليوم وصلت حماس بالشعب الفلسطيني إلى الموت والهلاك، جعلت منه درعًا بشريًا أمام العدو الإسرائيلي يتلقى الضربات والقتل بينما يختبئ قادتها خلفه. ومن يجرؤ على التساؤل أو الاعتراض يُضرب ويُقتل ويُتهم بالعمالة. هذه هي حماس التي يدافع عنها البعض: سلطة قمعية استغلت دماء الناس لتبني إمبراطوريتها الخاصة، وحولت قضية شعبٍ بأكمله إلى وسيلة للثراء والسلطة، تاركة أهل غزة يواجهون المصير المجهول وحدهم.
تعليقات
إرسال تعليق