القائمة الرئيسية

الصفحات

حين غضب ظلي وتركني

لم أكن أعلم أن للظلّ قلبًا…
ولا أن بإمكانه أن يغضب ويختار الرحيل.

لكن في ذلك الصباح، فتحت النافذة، فاندفع الضوء… ولم يندفع هو.
الأرض خلت من ملامحي، والجدران لم تعكس هيئتي، حتى المرآة بدت يتيمة، تردّ وجهي ناقصًا.

بحثت عنه في زوايا الغرفة، خلف الباب، على السقف… عبثًا.
كان قد غادر.

أتذكر أن الليلة السابقة شهدت خلافًا صامتًا بيننا.
أطفأت النور فجأة، وتركته يتخبط في ظلام لا يليق بطبيعته.
قلت له ببرود: "أنت تبعٌ… لن تسبقني أبدًا."
لم يرد… لكنني الآن أفهم أن صمته كان بداية الفراق.

ومنذ رحيله، خفّت خطواتي… لكن ثقُل قلبي.
كنت أظن أنني أنا من يمنحه الحياة، وأنه لا وجود له دوني.
لكن الحقيقة؟
أنا من كان يحتاجه… ليصدق أنني موجود.

في الشوارع، لم يلحظ أحد غيابه.
الناس لا يرون سوى وجهي، ولا يعرفون أنني ناقص.
لكنني كنت أسمع خلفي فراغًا… مساحة كان يملؤها وحده.

تذكرت فجأة…
كان أول من يصدّق حزني قبل أن أشرحه، وأول من يقف بجانبي حين لا يقف أحد.
كان يعرف متى أنحني من الداخل، حتى وإن بدوت مستقيمًا في أعينهم.

البارحة، شعرت به قريبًا.
على الجدار المقابل، تَشكّل خافتًا، كأنه يتردد في العودة.
مددت يدي… لكن بيننا مسافة لا يقيسها الضوء.

ربما سيعود… وربما وجد من يستحق أن يتبعه.
لكنني تعلمت شيئًا واحدًا:
أن أقسى أنواع الغياب… غياب ما كنت تظنه ملازمًا لك، حتى آخر العمر.

الكاتب  إدريس أبورزق 

تعليقات