هُنا نابل/ بقلم المعز غني
ذات مساء صيفي ، عندما تبدأ نسمات أوت الساخنة تهدأ وتتلاعب بخصلات الشعر فوق مدارج مسرح الهواء الطلق بالمنصف قرط نابل ، يُولد سِحرٌ خاص لا يدركه إلّا من عاش تفاصيله .
وسط أضواء خافتة ، بين دفء الحنين وحماس الاكتشاف ، يلتأم عشاق الفن الطربي والموسيقى التونسية الأصيلة حول موعد فني إستثنائي: عرض "ديموزيكا"، بقيادة المايسترو الشاب المتوهج أمين الديماسي وفرقته ، بتنظيم من جمعية الملعب النابلي .
ولك الليلة 22 أوت 2025
من تنظيم جمعية الملعب النابلي
ليلة سوف يؤرخها الوجدان قبل عدسة المؤرخ ، حيث يصبح الفن موطنا للروح وزادا للذاكرة الجماعية
..."حين يغني القلب: عن عرض "ديموزيكا
بقيادة المايسترو الشاب المتوهج أمين الديماسي
وفرقته الموسيقية الواعدة
■ نابل ...الياسمين الذي يغني ■
نابل عاصمة الوطن القبلي ، القلب المُتّقد على حافة البحر ، حيث تتلاقى رائحة الزهر بملوحة الموج ، وحيث يختلط عبق الماضي بصخب الحاضر في سيمفونية لا تطفئ جذوة الإبداع فيها.
يخرج جمهور نابل هذا المساء من جلباب المتفرج إلى فضاء الشريك ، لم يعد المسرح مقسومًا إلى خشبة ومدرجات وإنما صار فضاءً تذوب فيه الفوارق وتنصهر فيه الهويات.
تجمعوا بشغف قلّ نظيره ، مستبشرين بدعوة “غنيها بصوتك” التي أطلقها المنظمون وروّجتها جمعية الملعب النابلي ، ليكونوا هم أيضًا في قلب الحدث لا مجرد أصوات خلف ضجيج الحياة .
■دموزيكا ... الصنعة والاندهاش ■
لم تكن “دموزيكا” حفلًا يقتصر على الأداء الكلاسيكي المعتاد ، بل لقاءً بين الأزمان : هارمونية الذكرى وحداثة الروح .
أمين الديماسي يقود الفرقة شابا حالمًا مؤمنا بأن الموسيقى جسر عبور نحو الذات ، حركته محسوبة الإيماءة ، ونظرته تجمع بين الانضباط وإنغام الإحساس.
بين أنامله تجددت الأغاني المألوفة ولامست قلوب العشرات ؛ فما إن صدحت أوتار العود تستذكر “زرلي الشيباني” أو زغردت الكمنجة في “يا زهرة في خيالي” حتى تشعر بأن كل حجر في هذا المسرح يردد صدى الفرح والحنين .
تتفنّن الفرقة في عزف أغانٍ تحتفي بالوجدان الجمعي ، فكل موشح حالة صوفية ، وكل وصلة إيقاعية مرعبة لجدران الملل ورتابة الأيام.
أدهش الحضور ذاك المزج الذكي بين الكلاسيكي والمعاصر ، حيث اندمجت آلات العود والناي بالقيثارة والإيقاع الغربي ، مركّبة سيمفونية تونسية بامتياز.
■ المسرح ... حين يجتمع المكان والوجدان ■
يتحوّل فضاء مسرح الهواء الطلق بنابل إلى حاضنة لذاكرة الأجيال ، هنا تتصافح أصوات الجمهور بأنين القانون ولهفة الكمنجة حتى لم يبق على المدرجات إلا قلب نابض واحد. وتتسابق الدقات بين الأغنية والأخرى ، بين تصفيقات الحاضرين وصوت التشجيع النابلي العذب ، ليصعد الفن درجات جديدة من التجدد والاحتفاء بالتونسي الكامن في أعماق الجميع.
العرض لم يكون أداءً وحسب ، بل هو إحتفالًا بالمكان واللحظة. المسرح نفسه ، كبيت قديم بجدران شاهدة ، فتح نوافذه لرياح جديدة ليحتضن ليالي الحب والنكتة الطريفة ودفء اللقاءات التي لا تتكرر.
■ فن المشاركة ... أجيال تغني العمر ■
تشظت لحظات العرض بين هتاف الأطفال ، دمعة أم مسنّة أستحضرت طفولة غابرة ، ومع كل أغنية تردد الجميع وكأنهم جوقة واحدة تقودها روح أمين الديماسي العاشقة للفن.
أختفت الحواجز بين جيل عاصر الروائع ، وآخر يحلم بأن يصوغها مجددًا على قمم المستقبل.
لم يكن أحد متفرجا بالكامل؛ الجميع فن
■ نابل ... القلب الذي ينبض فنًّا ■
نابل عاصمة الوطن القبلي ، وقبلة العشاق تلك المدينة التي تحتضن البحر والزهر ، وجوه ناسها مزيج ودّ عتيق وثقافة حيّة متجددة.
في فضاء مسرح الهواء الطلق، لا تجد مقعدًا شاغرًا ولا وجهًا بلا إبتسامة. الحضور سيكون جمهورًا في أعين المنظمين بل كان عائلة موسيقية واحدة – إذ لُقِّب في الإعلان بـ"جمهورنا الغالي"، فهو شريك في الغناء لا متفرج وحسب .
فكرة العرض - "غنيها بصوتك" - كانت خروجًا عن النمط المألوف: هنا نابل ، لا مكان للحواجز بين الخشبة والمدرجات ، بين الفنان والمتلقي ، فكل منا سوف يكون مساء الثاني والعشرين من أوت كان شريكًا في الخلق الفني الجمعي .
** دموزيكا... الولادة الجديدة للأغنية التونسية **
إستطاعت فرقة دموزيكا، بقيادة الديماسي، أن تخلق موجة جديدة في سماء الموسيقى التونسية عبر مزج الأصالة بروح الحداثة ، مستلهمة تراث الأغنية العتيقة ومفعّلة إيقاعات معاصرة. تبدو أنامل العازفين وكأنها تخط مشاهد درامية حيّة على أوتار العود والناي والغيتار ودفوف الإيقاع ، كل آلة تحكي حكاية وكل موشح يولد بين أصابعهم ينبض بالحياة مجددًا .
وحده أمين الديماسي، المايسترو الشاب الذي جمع بين العلو الموسيقي وحماسة الجيل الجديد ، إستطاع أن يلعب دور الجسر الذي يربط السامع بالمغنّي ، يرفع عصا القيادة لتتحول اللحظة العادية إلى حدث فني نادر .
سيمفونيته الليلة عنوان ولادةٍ جديدة لأغانٍ أحببناها وردّدناها في أعراسنا وأفراحنا ، وأيضًا أغاني الجراح والذكريات .
■ المسرح ... فضاء الذاكرة المشتركة ■
مسرح الهواء الطلق بنابل ليس مجرد فضاء حجري يعتليه الفنّانون ، بل هو ذاكرة جمعية تختزن ضحكات وأصوات وصفقات تصفيق آلاف العشاق للفن على مدى أجيال .
ومع عرض "دموزيكا"، تلتقط أصوات الجمهور بأنين القانون ولهفة الكمنجة، الجميع يغنى معًا: “زرلي الشيباني” و“وردة” و“يا زهرة في خيالي” وغيرها من الأغاني التي شاركت في صناعة وجدان جهتنا بأكملها.
مدارج المسرح تتحول إلى محيط من الأصوات، والمسرح نفسه يصبح بيتًا كبيرًا ينعم دفئه برائحة الزهر وخفة النكتة النابلية الخفيفة.
■ من القلب إلى القلب ... فنّ المشاركة ■
ليلة دموزيكا لم تكون مجرّد حفل موسيقي ، بل تجربة وجدانية جامعة ، أجيال متعاقبة – من الأطفال حتى الشيوخ – يحتشدوا ليعيشوا الفرح ذاته ويرددوا ذات الأغاني.
حتى أكثر الأغاني قِدمًا تدب فيها روح جديدة حين غناها الجميع معًا.
المتفرجون يكونون فنّانين ذلك المساء ... في لحظة تماهٍ نادرة بين الخشبة والمدرج.
المايسترو الديماسي يقف في المنتصف، كأنه قائد أوركسترا لموجة حنين عارمة يعطى للجمهور مكانته، يدخلهم في قلب المعزوفة، يحرص على أن يكتب كل فرد سطرا في قصيدة تلك الليلة.
**
جمعية الملعب النابلي... دوما في القلب ❤️
تعليقات
إرسال تعليق