بقلم: حمادة عبد الجليل خشبة
في زمن كثرت فيه الأصوات وتعددت المنابر، برزت فئة غريبة في مجتمعنا تعرف باسم "الحلنجية"؛ أولئك الذين يجيدون صناعة الكلام وبيع الأوهام، يلمعون السراب حتى يبدو للناس ماءً، ويزينون الباطل ليأخذ هيئة الحق.
الحلنجى ليس مجرد شخص يتحدث كثيرًا، بل هو متقن لفن التزييف، يتقن لعبة العبارات الرنانة والشعارات البراقة، يتنقل بين المجالس كأنه خبير في كل شيء، بينما هو في الحقيقة خبير في لا شيء. يبيع الوهم كما يبيع الباعة المتجولون البضاعة المغشوشة، ويترك خلفه عقولًا حائرة وقلوبًا خائبة.
في كل مرة ألتقي فيها واحدًا من هؤلاء، أدرك أن الصراع ليس بيني وبينه شخصيًا، بل هو بين طريقين: طريق الوعي والفكر، وطريق الخداع والتضليل. أنا لا أبحث عن انتصار شخصي، وإنما عن كلمة حق تبقى بعد أن يتلاشى صوته.
كنت أختار الصمت أحيانًا وأتكلم أحيانًا أخرى، لكني دائمًا أراهن على وعي الناس، لأنه هو الحكم الحقيقي.
الحلنجية ليسوا مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل هم قنبلة موقوتة تهدد ثقة الناس في الحقائق والمؤسسات. إنهم يستهينون بعقول البسطاء، ويعبثون بأحلام الشباب، ويزرعون الشك في كل ما هو ثابت ومستقر.
اليوم، أدعو كل قارئ ألا يكتفي بالاستماع، بل أن يفكر ويسأل ويتحقق. فالحلنجى يعيش ويتكاثر في بيئة يغيب عنها الوعي ويضعف فيها السؤال. أما حين يشرق العقل، فلا مكان للوهم مهما لمع.
تعليقات
إرسال تعليق