القائمة الرئيسية

الصفحات



بقلم الدكتور صلاح سلام

متابعة عادل شلبي


هل صنعت فيروز تاريخا للبنان ام ان لبنان كانت هبة فيروز؟…نعم لبنان بلد عريق تفتق من بين جنباته ينابيع الطرب والفن والغناء والموسيقى والادب فقد وعينا على القول المشهور بأن الكتاب يكتب في مصر ويطبع في بيروت ويقرأ في العراق وكما ان القاهرة انجبت ام كلثوم وعبد الحليم ونجيب محفوظ واحمد زويل ومجدي يعقوب واحمد شوقي ومحمدوعبد الوهاب فقد انجبت جبال لبنان الرحبانية ونيقول وبشارة تكلا والاخطل الصغير اللذان أسسا جريدة الاهرام وجورجي زيدان مؤسس دار الهلال ونصر شمس الدين ووديع الصافي والشحرورة صباح وفيلمون وهبة….ولكن لايحلو يومك الا اذا بدأت يومك وانت تغسل اذنك بصوت يعانق السماء …وقد كنت ذات مرة في بيروت اتلقى دورة تدريبية عن التخطيط مع المعهد العربي للتخطيط التابع لجامعة الدول العربية وعشت في حضن الجبل في جونية وهي احد ضواحي بيروت في فندق أعلى الجبل يطل على البحر…وكان الافطار الصباحي في هذا المنظر الخلاب يسمونه “ترويقة” على انغام فيروز فيبعث في النفس اطمئنانا وفي العقل بريقا…في صوتها نور يغسل طرقات الحياة فيزيل شوائب ويقيل عثرات…الصباح الفيروزي اللون والصوت يشعل في دواخلك حنينا الى الام والوطن والحبيب… يحملك الى عوالم فضية اللون ذات بريق حالم يهدهد افكارك يجمع اشلاءك المتناثرة… يدفع بك بقوة غير مرئية لتبدأ يومك بحب لأشياء لم تكن تراها وحنين الى الايام الخوالي والطفولة وبرائتها …صوت يحمل ترانيم السماء تختلط فيه الاديان ويحتضن كل منها الاخر فكلها اتت من رحم واحد لتعزف على اوتار الحياة هذا اللحن الفيروزي القادم من اطراف الدنيا … يوقظ الغافلين ويداوي المجروحين وينقش على جبين الزمن كلمات خالدة كخلود الارواح التي تهيم في الكون وتنتقل من جسد الى جسد فتهبها الحياة…نعم هو صوت بطعم الحياة يزلزل ويزوبع الضماير اذا شعر بالقهر والحزن ويرفع صوت البارود اذا حاقت بوطنه المخاطر ..غنت للقدس وشوارعها الحزينة فأبكتنا وغنت للبنان في محنته فادخلته كل بيوت العرب ولمصر والنيل والشام وبردى ولمكة والمدينة غنت للنبي محمد وهي المسيحية غنت للاوطان ولم تغن للاشخاص…. عاشت في كل المحن وكابدت الفقد والحرب ولم ترحل عن الجبل الى كباريهات لندن او باريس ولاحتى الى القاهرة عاشت وسط الحرب تغرد مع صوت المدافع تصدح في سماء الحق ضد ظلم المعتدين وجور الحكام ….عندما يكون الصوت بحجم الوطن والصدق صوت يهز الجسد وينتفض يحمل الدنيا ويرتحل…هكذا يكون الفن تعبيرا صادقا عن القوة الناعمة الحقيقية التي يقف امامها العالم مشدودا ومشدوها ….قيثارة اللحن الابدي السرمدي التي تخاطب كل قلوب العالم وحواسه وتبعث في كل جوانحك تيارا يسري في كل اوصالك كنبض الحياة لاهو صاعقا ولا مارقا وانما على رقته فهو مزلزلا يحرك كل السواكن ويسري في العروق مسرى الدماء ينقيها من الحقد والغل وامراض الحياة ..لتصفو فتعيد صياغة يومك ليبقى انشودة ترددها كل صباح

تعليقات